الغيمة والغراب

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عبد القادر هني  مصطفى

وقف على شرفة البلكون كعادته ككل صباح. و بانت هي كعادتها تنشر فراش البيت من بلكون شرفتها. لا يعرفها ولا تعرفه ولم يهمسا لبعضهما رغم تكرار المشهد لسنين. أكيد وقعا في العشق. من سينطق بكلمة  أعشقك  أولا.. هو  أم هي؟

كان يفصلهما فضاء طوله 7 أمتار. مر الزمن وقرر هدا الصباح أن يصيح لها بحبه. أما  هي فقررت و  في نفس اليوم و بنفس الوقت أن تبادر بإرسال رسالة عن طريق بوسطة الفضاء و يكون  الساعي هو الريح. وهم  بالبوح وهمت هي ببعث  الرسالة وبين تعاقب البوح  والرسالة من شرفة إلى  شرفة.. بان غراب أسود على غيمة قاتمة يطير. وصاح هو فلم تعرف إن كان صوته ــ المارة كثيرون ــ أما هي فرسالتها خطفها الغراب ورحل بها على غيمته ونعيقه يملأ كل الفضاء كأن به  تزوج من ملكة سبأ

 ـ  تتزوجيني ؟

 ردت الغيمة بصوت مسحوق :

ــ  لكني  سحابة قاتمة

 ــ و أنا لوني قاتم

 ــ  لكنك  غراب

 ـــ و أنتِ غيمة

فجأة برق ورعد. فمطر. تحللت الغيمة إلى مطر, فصنعت لنفسها بركة ..  أما الغراب فغسله المطر و عاد بلون أبيض  وحلق عاليا. بالسماء لقي الغراب سربا من طيور النورس محلقا نحو من حيث تغرب  الشمس وراح كل السرب يغرد بتغريده إلا الغراب، خاف من أن يعرف نعيقه لكن من سوء حضه أن منقاره سميك غير منقار النورس ذي المنقار الدائري. عرف على حقيقته وقرر سرب النورس طرده في الحين .. فأوقعوه وهوى من السماء ليسقط, لكن على بركة ماء صافية وغائرة  أنقذته  من اللطم على الأرض .

ــ  ألم  تعرفني؟

بهت الغراب وحاول  الطيران من  شدة  الخوف

ثم زادت و هي تهزأ منه

 ــ  أنا  يا طالب الزواج مني   

طار من فرط  الفرحة وراح يحلق حول  نفسه بالسماء كذا مرة حتى ركبه دوار وهي لا زالت تضحك  بالأرض     

حط  الغراب بجانب البركة وراح يدور كأنما يرقص لها  وقد  عكست لون السماء . كانت صافية .

وعاود الغراب طلبه

 ــ  تتزوجيني ؟

وردت بصوت مكسور:  لكني بركة من الماء

 ــ  وأنا غراب

  ــ  لكنك بريش  أبيض

 ــ  سألونه إلى اسود إن طلبتِ   ,  فقط   عودي الى غيمة 

فجأة .. حر شديد و سراب مديد . تبخرت البركة و صعدت بخارا إلى سماء و صنعت لنفسها غيمة صغيرة .  أما الغراب فأعطى ريشه للشمس و كاد أن يشتعل  نارا  و لما رأى أن   ريشه عاد أسود ,   استقر تحت ضل  شجرة و لملم أنفاسه و راح ينتظر  الغيمة ليركبها . على سفح الجبل حط الغراب و بقت الغيمة معلقة بالسماء

ـ  ألا تنزلين ؟

  ــ لا

 ــ  لِما  ؟

ــ خايفة   

  ــ مِمن  ؟

ــ من المرأة

  ــ  من ؟  ألح الغراب  

 ــ صاحبة  البلكون

ــ ما  بها ؟

 ــ أحاف لو بانت  , أنا سبب حزنها .. ركبنني و طرت برسالتها

 ملأ  الغراب الكون نعيق من فرط  الغضب :

 ــ ماذا  تقولين يا بلهاء ؟ أين المرأة و نحن بسفح  الجبل ؟

    قاطعته متسائلة  :  أريد أعرف  مِنك ِلما  خطفت الرسالة و هي بين السماء و الأرض ..    لقد   كانا يتحابان.

  ــ  هه  .. أنسيتِ أنكِ كنت شريكتي في الخطف ؟

 ــ لا  أنا غيمة مأمورة تنشرني الريح كما يحلو لها  و كنت  متجهة  نحو    الغرب

  ــ أنا   أيضا كنت  محلقا نحوه ..  ثم زاد بافتخار   و هو يمد عنقه :

     ــ  أترين.. أنا على الأرض و لا  أخاف  ذاك  الرجل الذي خطفت منه رسالة حبيبته  ــ تحزنين على البشر و أنتِ لا تعرفين غريزتهم ؟ 

   ــ  لا غريزة في الحب أكدت الغيمة .

  ــ  لا  يعرفون منك إلا سقى زرعهم  .. الإنسان طبعه عدواني  ,  انا اعرفه أكثر منكِ , يعتقدني  فأل شر و الشر زاد معه و يكثر به . كرمه الله   علينا  جميعا و لكنه    ينشر الشر بدل الخير  على الأرض  ..   هو  لا شئ , لا من قبل و لا من بعد , كان لا يعرف حتى دفن أخيه

   ــ فيهم الخيرون كهابيل الذي لم يبسط يده لقتل أخيه ردت   الغيمة  بيقين

  قهقه الغراب طويلا كأنه يسخر من الغيمة و رد باستهزاء :

   ــ يبدو انكِ صدقتِ بقصص  وجود الإنسان على الأرض ؟

 ــ  أنت تعرف أكثر مني  ما دمت تعرف كيف  يدفن الميتون أردفت الغيمة 

  و راح الغراب يقص على الغيمة كيف أن بداخل  الإنسان سوى الشر  على هذه الأرض .. كيف يتجبر  على أخيه الإنسان .. كيف يؤول  للخير إلا  من باب الضعف و قلة الحيلة .

   ــ  ألا تعرفي  قال  الغراب للغيمة أن هابيل كان اقل قوة من قابيل  ؟ ثم زاد :

كان قابيل  قوي البنية مفتول  العضلات قد علم من قبل غدر هابيل له الذي  استعان بالشيطان على أن ينصح  ادم و حواء بالدعاء لله أن يتقبل قربان هابيل و استجاب الله لهما و تقبل قربان هابيل على قربان قابيل . صارح قابيل هابيل بما يعلم وسط غابة مشجرة  بينما راح هابيل ينكر ما قام به . افترق الأخوان ..كان قابيل قد نام  و جاء  الشيطان على شكل  إنسان  لهابيل يوسوس له :

ألا تشكرني على المعروف الذي قمت به لأجلك ؟

 ــ  ما زلت  خائف من قابيل .. ماذا لو أعلمته أنت بالحقيقة و ماذا لو تراجع  أبويا عن القربان ؟

 تبسم الشيطان و قال بخبث :

يبدو انك لا زلت في حاجة إلي .. سأدلك على حل يخلصك إلى الأبد من أخوك  قابيل  طار هابيل من الفرحة و راح يتوسل الشيطان :

 ــ  لو  بينتها لي ..لأعطيتك نصف الأرض عند ملكي  لها  .

  ــ قابيل قوي البنية و سيأتي   اليوم التي أنت خائف منه .  لا مناص لك من أخيك إلا بانتفائه من على وجه البسيطة

و كيف ؟

 ــ أقتله ما دام  نائما ..  أنت ضعيف و لا تقدر عليه إن واجهته

و قتل هابيل  قابيل أثناء نومه  و سال الدم و كان أول قتل للنفس على الأرض .

 ــ أعرفتِ ضعف و  غدر الإنسان لأخيه قال  الغراب للغيمة ,  و ألان ألا زلت خائفة من هذا الإنسان ..  إنه لا يعرف القوة إلا عند ضعفك ؟ وضرب الغراب بجناحية الهواء و صاح غاصبا :  و الآن ألا تنزلي  لنتزوج ؟

 ــ بشرط ؟

 ــ  و ما هو سألها الغراب و قد طار إليها و الفرحة تغمره

 ــ أن  نتزوج بالمدينة

ـ  فقط ؟  و لو شئتي  بأي مدينة  بالأرض أنتِ تختارينها .

حلق الغراب و على ظهره الغيمة نحو المدينة . بانت لهما  و قد اندك نصفها إلى ركام

 ــ  ماذا حدث سألت  الغيمة الغراب

 ــ  نصف  المدينة ردوم  يبدو أنها  قد تعرضت  لبطش إنسان من خارج أسوارها .. ألم اقل لكِ انه متجبر  على أخيه من  البشر و  حتى على الحجر ؟ 

 ــ  إحملني  حيث حملتك .. حيث خطفت رسالة ذاك الرجل العاشق طلبت الغيمة بأسى

    وصل الحي و بالتحديد إلى فضاء طريق ذي 7 أمتار  الفاصل  بين العاشق و معشوقته ,  هنا لم تمر  عدوانية الإنسان  لكن  لا روح للبشر  ,   بلكون الرجل و المرأة على حاله .  حط الغراب على شرفة احدهما و عليها غراب آخر :

  ــ  أتعرف ما حل بصاحب هده الشرفة ؟

  ــ يبدو انك هاجرت الحي مند قديم الزمان  .. الذي حدث هو أن  الرجل قد تزوج من المرأة التي كانت شرفتها تقابله و بعد خمسة أيام فقط  من زواجهما قتل الزوج زوجته حينما كانت نائمة

   ــ  و ما السبب ؟

   ــ  لا  علم لي  لكني سمعت ذات  يوما جار لهما  يخبر زوجته  قبل الجريمة   أن الزوجة كان لها عشيق أخر  كان يقطن  أسفلهما .  طار  الغراب يخبر الغيمة بما جرى ..

 ــ  ألم أقل  لكِ  أن  الإنسان عدو لأخيه الإنسان ,  لا يعرف من الحياة  إلا  الشر  . ليس بمخيرين  هو خلق لأجل  الشر  .

  ــ  و أين المعشوقة سألت الغيمة الغراب  ؟

   ــ  قتلها زوجها

  ــ و   أين زوجها  ؟

   ــ  قتله عاشقها

     ــ  طِر  بي إلى حيث لا يوجد الإنسان قالت الغيمة ,  و قد ازدادت سوادا .. أتعرف أني  ندمانه  على كل  قطرة صببتها عليهم زادت  بحرقة     

  _ إذا  لا ذنب لي  لِما   اقترفته  حينما خطفت الرسالة من الإنسان  قال الغراب .

ـــــــــــــــــــــــ

قاص من الجزائر

 

 

مقالات من نفس القسم