شريط أسود

عصام سعد حمودة
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عصام سعد حمودة

 القدر هو الذي ساقني إلى ذلك المكان، كأن قدماي هما اللتان  تقوداني ولا استطيع التحكم فيهما.

نفس الطريق الذي سلكناه معا لنجلس علي السور العريض أمام تلك القلعة الشامخة.

 المكان يذكرني  باشياء لم تستطع ذاكرتي أن تمحوها بالرغم من السنين التي مضت وأعرفها  جيدا، وكنت أحصيها يوما بيوم ..ساعة بساعة.

ولماذا وقعت يدي  عند بائع الجرائد علي ذلك الكتاب واخترته الا  لكي يزيد جرحي ويضغط علي  آلامي التي أسكنتها بين ضلوعي طوال تلك السنوات.

أصابع كفي هي التي اختارت أيضا دونا عن كل الكتب المرصوصة.

قد يكون العنوان قد جذبني . أو تلك الرسوم التي تزين غلاف الكتاب.

 الكتاب الذي وقع في  يدي  بعث في كوامن ذاكرتي أشياء كنت أحاول أن اداريها ولكنها كانت تعلن دائما العصيان .

(حروف الغربة) ماذا يقصد كاتبها  بهذا العنوان؟ كأنها تقص حكايتي.عن فتاة أجبرت علي الرحيل عن حبيبها  لتمضية الوقت مع آخر  لاتطيق مشاعره ولا رؤية وجهه .ولكنها في نهاية القصة تاهت في الغربة ورحلت عن عالم الزيف

هل الغربة حروف فقط؟

أم ابتعاد عن وطن  إلى آخر لتعيش فيه لم يكن باختيارك. أم حب تاه بين الماديات ولم يصمد طويلا

ام ..ام  حين تشعربها وانت مسلوب الإرادة وسط اهلك وأحبابك.

 أربع سنوات مرت.

  بالأمس احتفلت بتاريخ  ميلاد غربتي . وحدي جلست بالغرفة واطلقت لذكرياتي العنان.لم أشعر بما يدور من حولي   سوي بقلبي الممزق. لم احس بوجوده الا حين نبهني أنه قد قارب الساعة واقفا خلفي وانا غارقة في خيالاتي .وقتها اعادني الي الواقع  المرير وهو جالسا ينتظر اعداد العشاء له .

أنه  لايفعل شيئا سوي تناول الطعام والعمل في تلك البلد وحكايات اخر الليل عن زملاؤه وروسائه والتي سدت اذناي عنها .لم اشعر معه بدفء قلبه حتي وهو يسلبني جسدي كأنني آلة أو….

لم أحاول تعلم لغة تلك البلد لأنني كنت علي يقين اني سوف اعود الي بلدي في اي وقت.

ولم اتعامل مع جيراني  هناك و لم يشعروا أن لهم جارة تظل طوال النهار جالسة  في شرفتها وهي في شرود

لم اشعر بروعة  وجمال المشهد الذي كانت  شرفتي  تطل عليه حين اجلس .  أو اجتر الذكريات القديمة.

وهو يختلس ويطبع قبلة علي خدي نعم كانت قبلة خوف أن يراه أحدا ولكن كان لها طعم ومذاق يختلف عن ذاك الراقد بجواري وصدي أنفاسه يبدد صمت ليل طويل.

كيف حاله ؟ ان عدت اليه هل ساجده علي شاطئ البحر كالعابد المبتهل او قد يكون متزوجا  واعطب الزواج ذاكرته وانشغل باولاده..هل وجد غيري يبادلها المشاعر أم أنه مثلي صنم حين ينطفئ مصباح الغرفة كي يواصل جلادي سطوته وهو يهصر جسدي بعنف وجسدي  لا يلين له وهو يواصل ويواصل.

تري أصاب ذاكرتي مس من خبل أو جنون كيف نسيت ذلك الخبر وكيف انسي أحداثه فقد ظللت أكثر من شهرين اتخيل المشهد أمام عيني كأنه شريط سينما أمامي .

وانا لاصدق ذلك وأصابتني وقتها حمي شديدة وكنت اهذي هكذا اخبروني حين نقلني الي المشفي عن أشياء لم يعرفوا معناها.

البحر..الشاطئ..المراكب ..الفول والطعمية.الليمون والبرتقال..الترام..القطار..قلعة قايتباي..يد في يد..الصدر..الشعر..القبلات..الام..الخطيب..الزوج..الحبيب..الرسائل..

كل تلك الاشياء لم يفهموا كنهتها ولاالحكايات التي كانت حولها.

كيف كنا تتسلل إلأى الشاطئ ونجلس قبالته بالساعات ويدانا متشابكتين نري المراكب الصغيرة ونحلم أن نقوم برحلة وحدنا الي مكان آخر بعيد فألقي براسي علي صدره وهو يداعب خصلات متمردة من شعري .وحتي  تقدم لي ذاك الراقد بجواري وكيف أجبرت علي الزواج منه فهو يملك والآخر لايقدر علي تحمل مصاريف الزواج.

_والحب

_ياتي بعد الزواج بالعشرة والمعاشرة

_ولكني احب

-اعتبري ذلك نزوة..مشاعر خايبة.. انسي

-وعهدي له

-ستنسي مع الأيام وستحضرين الينا لتخبرينا مدي سعادتك مع جوزك.

-انا …

-لاتهولي الأمر

ذلك كان حديثي لهم  وإجاباتهم التي لم تغير من الأمر شيئا.

نعم لامس  فاهه فاهي  في ليل شتوي والشاطي  كان خاويا و كانت قبلته اطيب مذاق تذوقته في حياتي.

و حين أرسلتم  لي قصاصة  من جريدة  بدلت مجري حياتي وجعلت ذلك الرجل النائم بجواري اكبر عدو لي بل صارت المسافة شاسعة وبعييدة بيني وبينه.

أنه يأتي كثيرا ورائحة الخمرتفوح من فمه والتي  تقلب رائحة البيت. لم اعد اهتم بمن يصاحبهن من نساء وفتيات. ومنذ متي يهمني أمره؟ فليفعل ما يشاء؛ فليذهب إلي الجحيم أو اذهب أنا.

 قصاصة الجريدة لم تحمل تاريخا ولكنها تحمل صورته في اطار موضوع  أمام عيني  ليلا ونهارا. شرود عينيه بدت و كأنه فقد روحه منذ زمن طويل.

خبر مصرعه تحت عجلات سيارة  مازال يزلزل كياني كأنه بالأمس وهو يعبر طريق الكورنيش متجها ناحية قلعة قايتباي.

                

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون