عادل محمود
الفن عند صلاح عناني ليس مجرد ألوان وأشكال، بل “لحظة صدق” تنبثق من أعماقه لتصبح مرآة للوجدان. من هذا المدخل، يستدرجنا إلى عالمه لا كمتفرجين، بل كغائبين نبحث عن ذواتنا بين خطوطه وأجساده الصامتة التي تحكى بلغة الإحساس.
يتمثل انفراد عناني في قدرته الفذة على “تحويل تجربته الشخصية إلى ذاكرة جماعية”، ودمج اليومي بالأسطوري، والملموس بالمتخيل. لم يبتكر مدرسة فنية تقليدية، بل صاغ عالما خاصا نطلق عليه “العنانية” – وهي ليست أسلوبا بصريا فحسب، بل “موقفا وجوديا من الجمال والإنسان”.
في “الجنة”، لا تبحث عن سماء زرقاء أو ملائكة، بل عن “أجساد تنبض بالحياة”، جنة عناني ليست وعدا بالخلود، بل “احتفاء بالشهوة والشغب البصري”، ومحاولة للإمساك بلحظة حياة وسط فوضى الفناء.
يحول عناني الجسد من مادة تشكيلية إلى “لغة بصرية تحمل طبقات الذاكرة”. فكل نظرة أو انحناءة تخفي حكاية وجودية تتداخل فيها اللذة بالألم، والوحدة بالاحتواء. أجساد “الجنة” ليست مثالية أكاديمية، بل “تعبير عن روح شعب رأى الحياة من شرفات الأزقة”.
تتوهج اللوحة كـ “مولد شعبي أو حلم جماعي”، تكوين مزدحم لكنه محكم بسرد خفي، حيث كل شخصية تحمل حكاية صامتة. الشخصيات لا تقف ثابتة بل تطير، تسقط، تحاول النهوض، كأنها تبحث عن خلاص مؤقت من واقعها.
تختفي في العمل سخرية مرهفة كـ “ضحكة بعد البكاء”، امرأة تحدق في الفراغ، رجل يصرخ بلا صوت، عناني لا يسخر، بل يحول السخرية إلى طبقة من الحكمة، كما في حكايات المقاهي الشعبية حيث يخفى الألم وراء الهزل.
الألوان هنا شخصيات فاعلة:
– الأحمر: دم وحياة.
– الأزرق: حنين لا سماء.
– الأصفر: إرهاق لا شمس.
تخلق تناقضاتها “توترا بصريا” يدفعك للتفكير كأنك في احتفال على شفا الانهيار.
“الجنة” ليست فردوسا بعيدا، بل صرخة من واقع المصري، عرقه، ضحكاته المكسورة، وأحلامه على “كوب شاي حلو”. إنها جنة من صنع الأيدي المتعبة والأمهات الصامدات.
صلاح عناني لم يرسم لأنه تعلم، بل رسم لأنه عاش، فخلد شهادته على القماش.





