ما اسمك أيها النور؟.. قراءة في لوحات الفنانة المغربية سميرة أمزغار

سميرة أمزيغار
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

علي الدكروري

لا شيء يغيب

كل ما هنالك

أن أحدا لم يسأله

لماذا صرت حنونا هكذا

ليدرك أن شيئا ما هناك

ولايذكر ماحدث بالضبط

بعد الكأس الأخيرة

ولم ير الأيام

وهي تجمع ثيابها

في حقيبته القديمة

ولا سألته المواعيد

ماذا ستفعل

حين يغيب

أيضا

أنت لا تعرف

ما الذي تفعله الأرض

من أجل قصيدة

ولا رأيتها

وهي تخرج صدرها

في ليلة باردة

لترضع كسرة خبز

سقطت

من عابر وحيد

ولم تخبرك الحشائش

بما جرى

والخروج من اللوحة

يعني

أن الروح أضاءت

الميادين

فضاقت الإطارات كثيرا

وصار ضروريا

ان تفعل الحب

ولايراها العاديون

وأن الحروف

التي غزلت العالم

يجب أن تدخل المشهد

بعد زمن ما

مثلا

أنت ترين أباك

يمر من الشارع

كل ليلة

وينظر إلى الشرفة

ويبتسم

وأنا أرى ابنتي

كل يوم

وأنت لم تسكتي

ليسمعك

أنا هنا يا أبي

وأنا مثلك

كأننا نفقد الجسد

حين نحب

لا أحد يغيب

فقط

لم يسأله احد

ذات مرة

ما اسمك ايها النور؟

تشكيل

عندما تنظر إلى اللوحة.. فتوحي لك بقصيدة جميلة.. وحين تجول برأسك أفكار كثيرة.. أو حين توجعك فتسمع صوت ناي حزبن… كل هذا يعني أن الأصابع المثقفة التي تمسك بالفرشاة تمس القلب.. وأن اللوحة قصيدة.. وقطعة موسيقي… وأن الفن الجميل لايحرمك من شيء.. ولات نقصه متعة كل الفنون.. وأن هناك من يستطيع أن يفعل هذا.

ومن هنا تبدأ وأنت تتأمل لوحات الفنانة المغربية سميرة أمزغار.. التي يمكن أن نتحدث عن التحول بين لوحاتها الفترة قبل الأخيرة عن الموت الذي جعلته حالة الآخر الذي يكمل الرحلة في عالم ما وجسد ما.. وبين الآخرالذي يتألم في عالم ما ولايسمعه أحد ولا يراه أحد.

ولعل مامرت به الفنانة المغربية سميرة أمزغار من مأساة الفقد، أثر علي أعمالها الفنية في تلك الفترة، ورغم حرصها الشديد ألايظهر ذلك في أعمالها، ألا أنها لم تفلح في ذلك، لـن ألم الفقد كان كبيراً، فجاءت اللوحات التي رسمتها تعبر عن الموت ولكنها حاولت ألا تستسلم لفكرة المغيب، فبثت الروح والحركة في الجماجم والهياكل لتصنع عالما مغايرا، لتثبت أن هناك عالما موازيا في مكان ما، لذا ترى الألوان تنبت في الجماجم، وترى كل شيء لايثبت أبداً.

إنها تقاتل السكون في تلك اللوحات وترفض الاستسلام، كما أن الشمس لاتغيب، فهناك أيضا حضور دائم في أرض ما، تلك الأرض التي بثت فيها سميرة الروح، فبدت الأشكال لا تشبه ما في خيالنا، وإن كنت أرى أن ما خلف الأسئلة هو أن المحبة التي لديها لا تنتهي، وأن القصص الجميلة لايجب أن يكذب علينا أحد ويكتب لها الفصل الأخير.

وأيضاً أن الشعراء أخطئوا وهم يضعون قصائد الحب بين دفتي كتاب، وأنه يجب ألا نضع نقطة لننهي جملة ما، لذا رسمت سميرة القصائد كما تحب وعزفت كما تشعر، لتخرج لنا عالما من الدهشة والأسئلة، لعل أيضا أوضاع وأشكال اللوحات تعطيك انطباعا أن الحياة لا تنتهي، فقط تتغير الألوان والأشكال، لتتواءم مع عالم ما.

وفي تحول جديد من الآخر الغائب إلى الآخر المغيب استطاعت أن تزيح لنا الستار عن الذين لا يراهم أحد، وأذكر أن الروائي الكبير وحيد الطويلة في إهداء روايته حذاء فلليني كتب:

“إلى الذين صرخوا ولم يسمعهم أحد

وإلى الذين لم يستطيعوا أن يصرخوا”

.. من هنا تقريبا ومن الآخر المعذب، انطلقت لوحات سميرة الجديدة محملة بأوجاع الذين نراهم كل يوم ولا نراهم فتلتقطهم القلوب المبدعة والريشة العاشقة/ ولتطرح لنا جدلية بين الموت الذي بثت فيه الحياة وجعلته يتحرك ولايهدأ، ولم تحرمه من الحرية، وبين حياة المعذبين التي قيدتها الأوجاع بالأحبال، وكبلها الصراخ، جدلية بين عالمين أو ربما هو عالم واحد، لأنه امتداد وليس انقطاعاً.

والآخر لا يعني فقط الغائب، لكن قد يعني أنا التي قد لا أراها كثيرا ولا يراها أحد، الأحبال شغلت اللوحات، فهي تقيد الأقدام، والحواس والروح لتترك مقارنة بين الغياب الحر والحضور المقيد، أيضا وضعية الجسد توحي بمعني الألم، واختلاف القيد من حالة لأخرى فمرة يقيد الحواس والقدمين ومرة بعض الحواس ومرة يصلب الصدر ومرة يقيد كل الجسد مع إيحاءات تدل علي الحال، أو كان الجسد يصر رغم كل هذا الالم أن يصنع عالمه بنفسه، وألمه بنفسه، وكما ألمحنا في اللوحات الأولى فإن فكرة الموت ماهي إلا امتداد للحياة، وأن للجسد حتي في هذه الحالة أن يعبر عن ذاته، فإن الجسد في المرحلة الأخيرة هو أيضا رغم الحزن فله طقوسه.

الجسد هو محور أعمال سميرة، وهي بلمسة فنان ولمحة إنسان تهتم بالآخر الذي ربما لا يشعر به أحد، الآخر بكل حالاته، وبكل آلامه، وبكل عوالمه.

تشكيل

المحبون

يدخلون من باب واحد

لذا لايراهم أحد

والسؤال لن يدخل

أحداً الجنة

لأن الغرباء لا يمرون

عادة من المشهد

يمكن أن يصير القلم

قلبا

ويمكن للفرشاة

أن تري

هنا

لا توجد فاصلة

بين الحضور والغياب

ولا بين الذين

يصرخون

وبين المغنين

بعض السكوت فقط

لنفسح الساحة

وندرك أن هناك

أجنحة لم تر السماء

منذ سنين

وعيونا

لم تلمس الصباح

إلا قليلا

 وخلف الصورة بقليل

هناك طفلة

لم يرها أحد

وهي تبكي

وعصفور صغير

يفتش بين الأوراق

عن كسرة موسيقي

هناك قصائد

لم يكتبها أحد

لا أعرف كيف يختارون

البطل في النهاية

الغريب

الذي دهسته المواكب

وهي تمر

والجميلة

التي رفضت أن تستجيب

للراوي

والبحار

التي رأي الشاعر

أنها لاتفيد القصيدة

والحبيبة

التي صلبت قلبها

علي شجرة

ليأكل منه الطير

حتي لا تقول أحبك

لرجل لايحبها

والحانية

التي غطت السماء

برموشها

حتي لايراها صدرها

فيصير حماما

والبعيدون

الذين لايصرخون

حتي

لا يسألون الناس

أحزانا

كل هؤلاء لم يدخلوا النص

وكل مافعلته الفرشاة

أن قلبها

-ياقلبها-

رأى ما خلف اللوحة بقليل

وأيضا

لم يسأل

ما اسمك أيها النور؟

 

مقالات من نفس القسم