د. رضا صالح
جلس روكا الصغير فوق سور الكورنيش موزعا نظره بين البحر والمارة الذين يحملون الأعلام وتلك السيارات التي لا تكاد أبواقها تصمت، كانت الدنيا فرحة بانتخاب الزعيم، يعود ليلقى نظرة على تكتكه القديم الذى تركه جوار الرصيف مشحونا بفوارغ زجاجات وعلب بلاستيك؛ كان قد بذل جل النهار في جمعها؛ سرح بذهنه فى حياته وما جرى فيها؛ تذكر أيام كان يجرى فى تلك المياه الضحلة مع أقرانه فى المدرسة، معظمهم مازالوا ماثلين فى ذاكرته، تقريبا لم ينس أحدا، كانوا يخرجون من المدرسة ويعبرون الطريق العمومى؛ تقودهم أرجلهم الى الكورنيش حيث الاتساع والهواء وانعدام الخرزانة، يمرحون سويا لا فرق بينهم؛ يكومون ملابسهم يتركونها فوق حجر ويهرولون الى البحر لاهين يتراشون بالمياه؛ تبهرهم حلاوتها الكامنة في ملوحتها؛ يبكى حظه وقلة خبرته هو وأبوه الذى خيّره وهو غر صغير بين استكمال الدراسة أو الشغل، كان يعلم أن والده فقير، يومها أجاب انه كبر، وسينزل الى الشغل مثل والده، ولكأنما صحا اليوم؛ اليوم فقط يلوم كل ولاة الأمور على تركهم إياه ووالده الذى تركه بدوره؛ دون ان يكمل تعليمه، نعم ! كل ولاة الامور وليس والده فقط؛ والده فقير من أبناء الضياع ! حدثته نفسه أن الدولة لم تكن حازمة فى تعليمه؛ لم تكن حازمة فى شيء! ولم يكن يهمها مستقبله، ولم يشعر بأنه ابن من ابناء الدولة، كان يحس أن الدولة تخرج له لسانها سواء حضر أو غاب عن المدرسة، وتخرج له لسانها اذا فشل أو نجح، تذكر بعض زملاءه الذين كان يفوقهم؛ منهم من صار محاسبا وآخر سافر الى الخليج وعاد ليبني برجا فى وسط المدينة، ومنهم من ظل يتاجر فى المهربات ومن يعمل فى التخليص الجمركى !
أحس بالرغبة فى الاستحمام؛ نزل الى الشاطئ، داس بقدمه على قوقعة؛ أمسكها وقربها من اذنه؛ رجها فى الهواء وقذفها فى الماء، ترى هل تفيد وشوشة القوقعة فى زماننا الجديد ؟ رأى علم مصر واقعا أمامه على الطريق؛ رفعه بحزن، ضمه بشوق الى صدره منتشيا بأمل قد يكون ! هل بالفعل سينصلح حالى وحال أمثالى ؟ علق العلم فى أعلى جانب التكتك، ركبه وانطلق؛ ظل العلم مرفرفا باديا من بين أكوام مهملات البلاستيك التى تعلو تكتكه المارق على الطريق ..
نوفمبر2012