عتاب

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

صفاء جمال الدين

 تربت على السجادة السوداء المشعرة بكف ابيض، رشيق الأصابع عريض الأظافر مشرب بحمرة اختلف في مصدرها. أرجعها البعض إلى جد فرنسي استقر بالبرلس مركز كفر الشيخ تائها، مستكشفا أو هاربا من الحملة الفرنسية. و في رواية أخرى كان إسهاما من جدة شركسية اضطرها ضيق الحال للزواج من فلاح – وإن كانت أصوله فرنسية .

 

****

يجلس على السجادة السوداء المشعرة على بعد سنتيمترات منها متوجها بغضب أصيل -انتفخت له وجنتيه الورديتين وعقد لأجله ذراعيه الدقيقتان حول صدره- إلى الشاشة المسطحة المحاطة بأرفف كثيرة لمكتبة رمادية . عيناه جاحظة وحاجبيه كادا يلتقيان، شفته السفلى ترتعش استعدادا لبكاء يمنعه بجهد.

أعادت التربيت على السجادة وكررت دعوتها:

“علي…ما تيجي جنبي”

استدار نحوها بنظرة طورها على ما يبدو في غفلة منها لتحوي كل هذا القدر من الغضب، أجابها:

“لأ”

ابتسمت ..عادت بظهرها تستند إلى الكنبة.

****

 لا وقت للشرح والتبسيط، عرضت له الفيديو المثير للجدل كي تكسب ساعتين- بلا إلحاح أو مشاغلة -في هذه الظهيرة الضيقة لتنجز أعمالها المرجأة.

تعاهدها النسيان منذ بداية الشهر السادس واتحد مع طبيعتها المتشككة فأحال روتين قبل النوم- من ضبط للمنبه ومرور دوري للتأكد من احتياطات الأمان- إلى دائرة ملتحمة من الهواجس المؤرقة التي تدفع النوم عن عينيها. ثم أضاف شهرها السابع ضغطا كبيسا من الرحم على المثانة يوقظها مرارا فلا تنعم بما تحتاجه من النوم الهادئ.

استيقظت في العاشرة، نظرت في الموبايل، غضبت .. تململت ..ثم استسلمت ..فوتت ميعاد الحضانة ولا جدوى من الندم.

تكاسلت حتى الحادية عشر تتقلب في فراشها تستحث الجسد المتورم على النهوض.

خرجت من الحمام تتهادى فاصطدمت به. يقظا، منتظرا تتقافز الحيوية من عينيه اللامعتان. يخبرها انه قد سأم التليفزيون واللعب وكل ما كانت تعتمد عليه لإلهائه. وكان ما كان من أمر الفيديو المكنوز منذ سنوات والذي ناداها من محبسه بحافظة السيديهات المدفونة بأحد الأركان العلوية للمكتبة .

****

تفصل الغسيل أبيضه عن ألوانه تمهيدا للزج به  في دوامة رقمية لا تحتاج منها سوى قرار بالضبط والتشغيل، قاطعها مزمجرا:

“أنا كنت فين؟! ليه مأخدتونيش معاكم؟!”

تفاجأت..كتمت ضحكتها..لم يخطر ببالها ما قد ينشطه الفيديو في عقله الصغير من تساؤلات!

****

اعتصر عقله باحثا عن إجابات لأسئلة كثيرة فجرها المحتوى المعروض.

كيف تسللا إلى هذه الحفلة الرائعة من دونه؟!

كل هذه البهجة؟ الموسيقى والرقص؟ أصناف الطعام التي يعشقها متراصة بكميات وفيرة ؟

لماذا تبدو عليهما السعادة والنشاط اكثرمن أي وقت رآهما فيه؟!

يرقصان؟! يتهامسان فتتعالى ضحكاتهما؟!

ولماذا يبدو الجميع مختلفا؟..متألقين..سعداء!!! مختلطين بلا تحفظ؟

أين ذهب وقارهم المزعوم ؟!!!

لحقت به محاولة رأب الصدع، لكنه تمنع ورفض دعوتها للاقتراب.

لم يكن هناك وقت لاسترضائه، أمامها ساعة يتيمة لتجهيز الغذاء.استندت على قبضتها ونهضت متأوهة مستمعة إلى طقطقة ركبتيها الصامدتين رغم الحمل الثقيل.

****

لم تشعر بوقع قدمه الحافية، باغتها:

“أنا عرفت دلوقتي أنا كنت فين؟ “

استدارت بوجه كساه خليط من الفضول والارتياب، تساءلت:

“فين؟!”

أجاب تلقائيا:

“كنت مع خالو شريف…بنشتري حاجات”

فكرت..تذكرت غياب شقيقها الأصغر عن الزفاف في محاولة منه لإنقاذ الزواج، اشتبك والدها مع والد العريس يلقي كل منهما على الآخر مسؤولية إحضار المأذون الذي أحضره أخاها في لحظات العرس الأخيرة!

عادت إليه الابتسامة، ترقرق صوته بالنصيحة المشددة:

“تاني مره لما تروحوا مكان جميل كده لازم تاخدوني معاكم”

رفع سبابته الصغيرة محذرا:

“أوعي تنسي”

 

 

مقالات من نفس القسم

تشكيل
تراب الحكايات
موقع الكتابة

قلب