أنيتّا باروز
ترجمة: نزار سرطاوي
– اليوم 746
وقف إطلاق النار الثالث، اليوم 12
عادت من المقبرة
لتجدَ جثثَ أفرادِ عائلتها:
ولدِها، وبناتِها الأربع
وزوجِها.
هي الوحيدة المتبقيّة
من بين كل اؤلئك الذين عاشت معهم،
أحدُ أبنائها لم يزل مفقودًا،
لم يزل تحت الأنقاض.
ما عاد التعرف على بيتها ممكنًا.
رجعت لتجلس بين قبور الذين دفنتهم
منذ بضعة شهورٍ.
وما وجدت سوى أحجارِ القبور.
الأرض جُرّفتْ. ثمةََ بقايا لبعضهم –
هل هُم أطفالها يا تُرى ؟ أم آخرون؟ –
يتعفّنون في الرمال. يُنْتَشلون.
ولا يمكنها التعرف عليهم:
ذراع. قدم.
أين يمكنها أن تبكيَهم؟
من سيساعدها – وبأية أدوات –
في انتشال جثّةِ طفلها
الذين لم يُدفَن بعدُ، فما يزال مدفونًا
تحت البيت المتهدم
الذي كان فيه يعيش ويلعب وينام؟
22/10/2025
**
– اليوم 747
وقف إطلاق النار الثالث، اليوم 13
شقيقُك من بين السجناء
المُفرج عنهم.
كان مُحتَجزًا لأعوامٍ طوالٍ،
تحت التعذيب والاضطهاد.
تنظر إليه
لكنك لست واثقًا من أنه شقيقك:
مهزولٌ، تغطي وجهَه وعنقَه الكدمات.
يمشي على مَهَل:
مَحْنِيَّ الظهر، يتمايل،
يحاول جاهدًا أن يستقرَّ حين يلمحك.
قيل له إنك استُشْهِدت!
قيل له أنْ لا أحدَ من عائلته
ظلّ على قيد الحياة!
يتقدم نحوك مترنّحًا فيما تجري أنت
لتطوقه بذراعيك:
أضحى أشدَّ وَهَنَا من أمِّك العجوز،
أكثرَ هُزالًا من أصغر أطفالك.
صوتُه خافت،
لكنه يُرحِّب بك ويبكي.
يحمدُ الله
أنهم تركوه يعيش
حتى الآن على الأقل.
23/10/2025
*
– اليوم 748
وقف إطلاق النار الثالث، اليوم 14
يسأل الطفل:
هل سيرجع أبي
الذي قتلوه
فهناك وقفٌ لإطلاق النار؟
هل سيعود أشقائي
الذين تسلتقي جثثهم على الأرض
ودماؤهم النازفة تروي جذور الشجر –
هل سيعودون ثلاثتُهم؟
هل سيعود مُعلّمي؟
ومَدْرَستي؟
وهل أقدر أن أمشي
في قلب الموت ليومٍ واحد
أن أحظى بزيارتهم،
أن أكون بينهم، ثم أعود؟
تُصغي أمه
متساءلةً ماذا عساها أن تقول.
تتمنى لًو كان ثمةََ
ما يُتَبادل أو يُستَردّ.
من أكوام الرُّكام، شرع بعضهم
بإعادة الإعمار، ببناء هياكلَ لبيوتهم.
يدقون المسامير ويضربون بالمطارق.
وماذا عن أشجار الليمون؟
ماذا عن أشجار البرتقال
ومذاق ثمارها الحلو؟
وآلاف اِشجار الزيتون
في البساتين التي أصبحت أثرًا بعد عين
والتي كنا يقينًا
سنقطف ثمارها في يومنا هذا؟
23/10/2025
……………………
أنيتا باروز شاعرة وروائية ومترجمة أميركية تحمل شهادة الدكتوراه في علم النفس. صدر لها العديد من الدواوين الشعرية، وصدرت لها رواية بعنوان لغة الطيور عام 2022. كما عملت على ترجمة أعمال الشاعر الألماني راينر ريلكه بالتعاون مع الكاتبة جوانا ميسي.
درّست أنيتا الكتابة في مؤسسات تعليمية متعددة، منها معهد ناروبا وتعمل مُدرّسةً في معهد رايت ويست وجامعة كاليفورنيا في بيركلي (قسم التعليم المستمر)، كما شاركت في برنامج مدرسية للشعراء. كذلك عملت خلال فصل الصيف من عام 2005 إلى عام 2009، مع المركز الفلسطيني للإرشاد في رام الله، حيث قدمت استشارات نفسية.
بعد الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة في أكتوبر من عام 2007، والتي لم تتوقف حتى اليوم، خصصت أنيتا موقعًا على الانترنت لتنشر فيها قصائدها عن المآسي التي يعيشها الفلسطيون هناك، وكتبت على صفحة الموقع الرئيسية:
عندما بدأت الإبادة الجماعية شرعتُ بتدوين مذكرات يومية. تلك المذكرات، التي كتبت الكثير منها في دفاترَ بخط يدي هي سطورٌ متقطعة وصورٌ وقصصٌ كنت قد قرأتها أو سمعتها. تحوّل بعضها إلى قصائد جعلتها في هذه المجموعة. واستمر الأمر على هذه الحال حتى اليوم 167. آنذاك سمعتُ عن أمٍّ استطاعت إنقاذ أحد أطفالها دون الآخرين، وعن طبيبٍ كان يجمع أطرافًا مبتورة لأطفال جرحى، ويضعها في صناديق ويمهرها بأسمائهم. حينئذٍ أحسست بالحاجة المُلحة إلى أن أوثق هذه المآسي في قصيدة متكاملة أكتبها كل يوم. وهذا ما سأفعله حتى تنتهي الإبادة الجماعية.
أعتزم الاستمرار في الكتابة حتى يصبح وقف إطلاق النار دائمًا إلى أن تتحرر فلسطين.





