أسامة كمال
لم أكن أتخيل للحظة واحدة أنني سأقف على أطلال كل هذه الحكايات المختفية والمدفون تحت التراب.
تعود الحكاية الأولى إلى عام 1932 يوم أن قرر مجلس بلدية المدينة القديمة بنقل رفات كل من دفنوا بالمقبرة المجاورة للبحر الى مقبرة أخرى على أطراف المدينة بعد أن ضاقت الارض بساكنيها وصار البعيد قريبا بل لصيقا وصار الموتى يعيشون بين الأحياء برفاتهم وظلالهم وحكاياتهم.. وصارت بنايات الأحياء والأموات وكأنها بناية واحدة..
وبعد مرور ما يقرب من تسعين عاما من نقل المقبرة، وقف بى الدليل أمام (بير العظام) وقال لي شارحا: هنا يرقد من ماتوا في مدينة البحر منذ نشأتها قبل مئة وخمسين عاما وحتى عام 1932.. مع مقولته لمعت في عيني لوحة الشاهد التي ما زالت على جلالها: بئر العظام.. هنا يسكن من رحلوا وذهبوا الى الغياب منذ النشأة وحتى الرابع من شهر أبريل عام 1932.. سقطت بنظري إلى أسفل فلم أر غير (بير) يبعد ويطول ويمتد دون قرار أو جواب أو حتى ايماءة غامضة على سؤال الموت الأبدى .. لست أدرى ما الذى جعلني أنقب عن مجهول يسكن في الجب، ربما ظننت أننى سأعثر على حكاية عالقة بين الرفات أو شهقة حياة محتبسة فى أحد الأرواح وستترى وتطل بين ظلال الموتى أو لمعة حب ما زالت تسكن بين عيون حبيبين أو متعلقات من تراب الأزمنة الغابرة..
لم تطل العين النظر، فليس فى الجب سوى الفراغ ..
فراغ.. هواء.. خواء.. عدم..
خرجت من المقبرة واستقبلتني أمطار غزيرة ليست لها نهاية، لست أدرى إلى الآن ما الذى جعلني حينها أرى فى كل قطرة تسقط على الأرض حكاية أو حلم صعدت من الجب الى رحابة السماء وتعلقت بالسحاب وسقطت دامعة إلى الأرض ثم عادت الى الفراغ من جديد