رجل وامرأة تائهان في الغابة  

نهى محمود
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

نهى محمود

حين وقعت في حبه، بدا لي كرفيق سفر مثالي. كان واضحا أنه رفيق سفر مثالي.. لذا ربما وقعت في حبه حين جاء الوقت أخيرا، توقفت كل الأمور الأخرى، ولم يبق سوى البدء. خطوة مني ومنه نحو الجسر، مضينا بصمت محبب يتخلله صوت الشلال.

أحمل حقيبتي الصغيرة فوق ضهري، أسأله عن حقيبته، يخبرني أنه لا يحتاج في الرحلة لحمل شيء وأن كل الأمور بسيطة. أصدقه دائما، لكني لا أتخلى عن حقيبتي.

بدا المشي جواره في تلك اللحظة اختراعا لم يجربه أحد، مضينا يومين بلا توقف، وعندما لاحت الغابة، ركضنا نحوها.. مدت شجرة عملاقة أغصانها نحوه، شبك أصابعه في يدها وحملته من هنا لهناك حتى بات بعيدا، أسمع صوت همسات الشجرة وضحكاته فأطمئن. تمد الشجرة ذاتها لي غصنا، أترك حقيبتي وأناولها يدي فتفعل معي مثل ما فعلته معه، لكني أصرخ بدلاً من الضحك، أخبرها أني أخاف التأرجح والصعود لكنها تهمس لي بصوت يشبه الوشيش أن عليّ أن أجرب وأن كل الأمور بسيطة.. من الشجرة للسحاب لحافة البحيرة، حيث نستلقي في حالة من الخدر والسعادة.

في المساء وكما حلمت دوما نجلس حول النار، نضع قدرا من ثمرة مجوفة داخله بعض الأعشاب والماء العذب، نفكر ربما تصلح للشرب، يضع في يدي بضع حبات مشروم، يشير نحو اليمين ويخبرني أنه قطفها من هناك.

ـ أحب المشروم

يهز رأسه ويقول: أعرف..

تضيء كلمات في عقلي، يقاطعني كأنه قرأ أفكاري:

ـ لا تبدأي في سرد وصفاتك التي تضعين المشروم بها.

أبتسم محتجة، يتركني أخبره، فأحبه أكثر..

تبدو ليلتنا في الغابة مثالية، حين يطل القمر من هناك، يبدو سطح البحيرة فضيا. اللوحة كلها تضوي حولي، ملامحه الوسيمة، وروحه الطيبة التي تشبه روح حكيم قديم، والصمت الظاهري بينما يبدو التناغم هو المسيطر حين تهمس كل الأشياء حولنا بطريقتها.

هذه الليلة لا نحتاج فيها للكلام كثيرا، أفكر أننا تكلمنا كثيرا جدا، وحكينا مئات الحكايات، أجملها التي نكررها مرتين أو ثلاثا ونندهش لها كما المرة الأولى، ونضحك حتى تملأ عيوننا الدموع فأحبه أكثر..

يقول: تلعبي؟

أصفق بيدي وأهز رأسي بسعادة، ألعب. يرفع يده عاليا قليلا، فتتكوم في يده كرات من غزل السحب، يصنع لي بأصابعه التي أحب شكلها دوائر دخان بيضاء، يرسم لي جبلا وقلعة تشبه قلعة دراكولا التي أتمنى زيارتها، يرسم جسرا ممتدا للأبد يقع وسط شلال، يرسم حبة فراولة وعدداً من حبات التوت، ثم يرسم قلبا وابتسامة.

يناولني كرة الغزل فأرسم له طفلة بعيون شقية تضحك، أرسم أرنبا يشبه المفضل لدي في الرسوم المتحركة، أرسم قبعة ساحر، وسهما يشير نحوه.

هذه الليلة تبدو الليلة الأجمل على الإطلاق بينما نحن تائهين في الغابة، حين تقترب النار من التلاشي، يقترب مني، ألتئم معه كما أحب واترك رأسي على كتفه وأنام فورا.

يبدو النوم متشابها من الخارج، لكن النوم بالقرب من حبيب، من رجل تأمن جانبه لا تتوقع منه خيانة أبدا ولا خذلانا، يصل بك لدرجة اسمها أن تنام في أمان، وأنا جربتها في تلك الليلة حين وقعت في الحب / النوم. 

 

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون