علي قطب
استطاعت القاصة جليلة القاضي أن تقيم رابطا دراميا بين قصص مجموعتها برج الحوت عن طريق الأجواء المائية، بمعنى أن رمز الماء سيطر على الأماكن في القصص فقام بدور مهم في تماسكها بدرجة جعلت النصوص متوالية قصصية يتنقل فيها القارئ دون أن يخرج عن الإطار العام الذي أجادت الكاتبة توظيف جمالياته، فزاوجت بين اللحظة الآنية والماضي التاريخي، كما امتدت بتلك اللحظة لتكون نبعا لأحلام الذات الفردية والحضارية.
القصة الافتتاحية أزاحت السيطرة الذكورية للزوج في مشهد رمزي أقرب إلى الومضة أو القصة القصيرة جدا، لكن هذه الومضة لم تنفصل عن قصص المجموعة وإنما تحولت نقطة انطلاق لنهر درامي تتجلى فيه الأحداث المتنوعة في غياب رأس الرجل، مما يعني أن الراوية تحررت من الهيمنة الرمزية لسلطة الثقافة الذكورية وهذا المفتتح الكافكاوي ظل خيطا تشكيليا يستحضر تحولات كافكا إلى أن يتكثف هذا الحضور في قصة كاملة بعنوان كافكائيات وقد منحتها المؤلفة صيغة جمع المؤنث.
شعرية القصة القصيرة عند جليلة القاضي اتخذت أبعادا متنوعة منها الرمز والتحولات والاقتراب من شكل الحكاية الخرافية التي تشير الفانتازيا فيها لأزمة الذات النسوية وهي تواجه صاحب برج الحوت الذي يرفض اقتران الراوية بشخصية الأخطبوط المائية الرمزية من وجهة نظره دون الوضع في الاعتبار هوية الشخصية المائية التي تتفق مع الأخطبوط.
ومن علامات الشعرية القصصية في المجموعة وجود الروح الكونية التي تصل بين الإنسان وكائنات العالم من حوله بخاصة الكائنات المائية وفي هذا المجال تلتقي رؤية جليلة القاضي برؤية الأديب الكبير محمد المخزنجي الذي يركز في إبداعه القصصي على التفاعل بين الإنسان وعناصر الوجود، ويعد هذا واضحا بدرجة كبيرة في أعماله كلها من رشق السكين إلى أوتار الماء وصولا إلى رق الحبيب لذلك كانت كلمة الغلاف للمخزنجي إضاءة جمالية لقصص برج الحوت استخلصت كثيرا من مقاوماتها التشكيلية والدلالية.
اختارت جليلة القاضي لحظات درامية عميقة قادرة على وصل الأزمنة والأحوال والعلاقات بين الشخصيات؛ لتعلن عن رؤية ثاقبة في فن المشاركة الإنسانية فيجد القارئ هذا واضحا في قصة البحث عن هدى التي اكتسبت فيها الدراما المائية أبعادا حضارية بالإضافة إلى قدرة الكاتبة على توظيف مفهوم قصة البحث بدرجة كاشفة عن ثراء الروح الإنسانية في تعاملها مع شخصيات تعاني اجتماعيا فالشخصية في هذه الرحلة البحثية تصل إلى يقين هو أننا نستطيع إنقاذ شخصيات متشابهة في الظروف بصرف النظر عن علاقتنا بها فهناك قرابة تجمع أبناء الأسرة الإنسانية كلها.
المجموعة تضم ما يقترب من خمسين قصة يمكن تصنيفها من حيث الشكل إلى ثلاثة أقسام فهناك الومضة أو القصة القصيرة جدا جدا وهناك القصة القصيرة جدا (ق ق ج) وهناك القصة القصيرة بالمفهوم التشيخوفي الذي يستغرق موقفا ويتابعه منتهيا إلى التنوير.
صدرت المجموعة القصصية برج الحوت لجليلة القاضي عن دار العين للنشر بغلاف من لوحات الفنان حلمي التوني الذي يتميز بتوظيف العناصر الفلكولورية في خطوط موحية بالشخصية المصرية جامعة بين الواقعية والرمزية وهذا التكوين التشكيلي تعبير جمالي عن شكل القصص وعالمها الفني الذي اختارته الكاتبة بوعي، لتستنطق به الهموم الإنسانية التي تتجاوز الواقع وتضرب في دهاليز الذاكرة الجمعية المحملة بتراث شعبي قادر على مد الإبداع الحداثي بخط تراثي أصيل.