قصف بالجوائز

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. ناديا خوست *

تغرينا ندوة الفضائية السورية عن الجوائز الأدبية، بالتفكير في المسائل التي لامستها، وتعيدنا إلى تأمل الأسئلة الأساس: هل الإنتاج الأدبي حيادي، والجوائز «خيرية» تقصد تشجيع الكتاب الذين أهملتهم بلادهم؟ هل اهترأت المنظومات الفكرية النقدية التي ترى الأدب معبّرا عن مسائل اجتماعية وفكرية كبرى حان أن نحرره منها؟ ‏

لاتوجد في تاريخ الأدب رواية كبرى دون مسألة كبرى، لذلك كانت الرواية شاهداً على عصر وعلاقات اقتصادية واجتماعية وإنسانية، سجل على قصر شايوه في باريز:(كل إنسان يبدع كما يتنفس، لكن الفنان وحده، يشعر بأنه يبدع وهو يسدد كيانه كله في عمله)، يعني ذلك أن الفنان صاحب مشروع ومنظومة قيم فنية فكرية، كتبت في منطقتنا أول ملحمة عن القلق الإنساني من الفناء، وأرق الخلود، وفيها صاغ زهير بن أبي سلمى منظومة أخلاقية! كل من فخري البارودي، الشابي، بدوي الجبل، نزار قباني، العجيلي، الفت الإدلبي، شوقي، بوشكين، دستويفسكي، تولستوي، بلزاك، صاحب رؤية، فهل تغيرت أسس الفن ولم تعد الأعمال الأدبية تعبّر عن منظومات فكرية؟ تناولت الرواية العربية في الماضي المسائل الكبرى، فلماذا أصبحت اليوم مدعوة إلى موضوعات صغرى في مقدمتها الجسد والجنس؟ ‏

تقع الأرض العربية في خريطة الثروات العالمية، لم تغب المشروعات الاستعمارية عنها لحظة، لكن السُعار المجنون للهيمنة على منابع النفط ومساراته دمّر ما أسست عليه الأمم المتحدة: القوانين الدولية، ولائحة حقوق الإنسان، والسيادة الوطنية. ابتكر(الإرهاب) ليسوغ الاحتلال العسكري، وتفكيك بنية الدولة، وتقسيم الأمة. في ذلك الموكب، سارت البنية الثقافية والإعلامية الرسمية العالمية. وعبّرت عنها جوائز نوبل، مع بعض الاستثناء. ‏

فما المشروع الثقافي الخارجي الذي يواكب اليوم التدخل في منطقتنا؟ يرسم هذا المشروع إلغاء موضوع الصراع العربي الصهيوني والمسائل الكبرى من فن الكلمة، ويقطع العلاقة بالتراث الفكري والأدبي، ليكسر ظهر السياسي الوطني، ويقصف البنية الروحية العربية، ويمنع استنهاض الروح العامة. (تؤثر الظروف في الإنسان، لكن الإنسان يؤثر فيها أيضاً)، فلتطمر إذاً المثل الكبرى، ويطفأ تدفق الحرية العظيم لتغيير الظروف! ولتستولد نخبة تنشغل بالمذاهب والجنس والجسد وتزهو بالتمرد على (الدولة)! فتتبدد التعبئة التي يستطيعها الفن العظيم. ‏

يطلب الوجع الإنساني، ويطلب الخطر على الأمن العربي، التعبير عنه، لكن الجوائز تغري الرواية العربية بموضوعات بعيدة عن هذه الحاجة، وتثبت معايير ما يستحق النشر والترجمة! تصور أن الاحتلال لايعني الكتّاب! فموضوعهم الجسد المزين الموشوم، ولو حرم أهل غزة حق الحياة، وتراكمت الأجساد العربية في المجازر الإسرائيلية الأمريكية! ‏

كشف رياض الريس أن المسؤولة الإدارية تحكم جائزة بوكر، وأنه انسحب كيلا يكون شاهد الزور. نشرت تلك المسؤولة الإدارية، صاحبة مجلة الجنس، مجموعة قصص لكتاب عرب وكاتب إسرائيلي، تساوي اللاذقية الأصيلة بتل أبيب التي لم تكن موجودة في بداية القرن العشرين! فثبتت مستوطنة كأنها مدينة شرعية! بعد رياض الريس، انسحبت من لجنة التحكيم الدكتورة شيرين أبو النجا: لأن الروايات لم تناقش بمعايير نقدية، بالأهداف والمعايير نفسها يقدم جائزة نجيب محفوظ رئيس الجامعة الأمريكية في القاهرة، ديفيد أرنولد، الذي ألغى المقررات الدراسية عن الحضارة العربية والإسلامية، واستقبل أساتذة إسرائيليين وتعاقد مع وزارة الدفاع الأمريكية على تقديم معلومات عن مصر. ‏

قال أحد الفائزين بجائزة بوكر إن فوزه (انتصار على ثقافة الأبواق الرسمية ذات الأحادية في النظر إلى الأشياء والحياة، وتجديد للثقافة التسامحية والحضارية) كأنما بقي للعرب ما يتسامحون به غير جلودهم! لكن مايجذب الانتباه أن الفائزين بتلك الجوائز يستلقون في حضن مؤسسات (الدولة) التي تعالوا عليها، ويستقوون بأنهم ذوو مواقع ومنابر تبيح لهم تأسيس تجمعات فكرية! ‏

مقابل هذا القصف المدجج بالمال والإعلام، هل مؤسساتنا الثقافية وشخصياتها قادرة على صياغة مشروع يجذب المثقفين إليها، مؤهلة لأن تكون حاضناً لثقافة المقاومة التي تحدث عنها السيد رئيس الجمهورية؟ أم تعجز عن تحريك بنيتها التحتية الواسعة، وتستسهل الرتابة، وتغفو على المرابع الشخصية؟ أتراها تستعيد عصرها الذهبي وتتقدم عليه بوعي الأخطار الراهنة! ‏

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* كاتبة من سوريا

مقالات من نفس القسم