محمد الجمال
لماذا توقفت شهرزاد عن الكلام المباح، بعد ثلاث سنوات، ألف ليلة وليلة. هل حقيقي أن الحكايات قد انتهت وهل ولَّت بلا رجعة أيام الأمان والسمر.
يرى الكاتب الكبير (حجاج أدول) أن كتاب ألف ليلة وليلة لم يكن إلا البداية بينما خلق الله سبحانه حكايات أكثر من أشجار الأرض، حكايات كلها صالحة للاعتبار والمؤانسة ووضع الأخشاب في المدفأة.
حكايات لا تجعل الأدب وفن الرواية نخبوياً يبحث عن نظارة القراءة كلما التقط القاريء كتاباً جديدا. حكايات تصلح أن تحكيها الأم للصغار وشهرزاد لشهريار، بل وربما يرغب شهريار نفسه في قص حكاية أو حكايتين على أميرته ما دام الأمر بواحاً والشطار والحسناوات يولدون من رحم الحياة كل يوم. وما زالت الممالك تتضاغن ويبني الملوك أسواراً مانعة بينهم وبين الرعية.
لكن يجب أن يكون الحكي ممتعاً وعليه أن يراعي مواثيق الأدب الجديدة، فالحكاية الصرفة والساذجة لم تعد تسكن في أي نوع من الأنواع الأدبية القائمة.
الحكاية وحدها صارت سذاجة منبتة الصلة بالآداب. والأدب يبحث عن بعد ثالث يتفادى تسطيح الحكي العادي أو يستخدمه في مكانه الصحيح. وسواء اختار الأستاذ حجاج أدول الرواية كنوع أو القصة القصيرة، فهو خبير بدروب ومسالك كل نوع وحاضر الذهن لا تغلبه شهوة الحكي فتستدرجه خارج إطار النوع.
وقد اعتمد أدباء كثيرون عرب وغير عرب ستندهش لكثرتهم على كتاب ألف ليلة وليلة وابتكروا عبر المحاكاة قصصاً أصيلة ادهشت العالم وجمعتهم حول وهج المدفأة. منها حكايات رحلات جاليفر في بلاد العمالقة مرة والأقزام مرة أخرى للإنجليزي جوناثان سويفت، وحكاية علاء الدين التي أضافها مستشرق فرنسي لحكايات ألف ليلة بعد قرون من اعتماد نسخ الكتاب.
أما في الأدب الحديث فقد ألهمت كثيراً من الأدباء منهم محفوظ الذي له رواية بذات الاسم تقريباً. وألهمت موسيقيين وتشكيليين وصناع أفلام، ومدارس أدبية مهيمنة كالواقعية السحرية.
ما يميز ألف ليلة هو الإصرار على الإمتاع السحري و بساطة اللغة والتباعد الطبقي بين أبطالها وتشابك الحكايات.. وما يميز أدب الأستاذ حجاج أدول خاصة هو الولاء لقصة شيقة يتبعها القاري دون تبرم من ثقافة الكاتب وتفلسفه. يسعى ويطمح لراوية ينشدها المثقف والغلبان. فترضي هذا وتمتع ذاك.
وقد زادته الخبرة الإنسانية وعياً وحصافة بعدم ضرورة الحكي عن الممالك المقسمة على الخريطة الأن ولا في سالف الزمان. فالإنسان واحد في بلاد الشقر وبلاد الحمر. أحلامه واحده ومأساته أينما حل تلبس نفس الزي. لذلك ترى الأستاذ (حجاج أدول) لا يسمي المكان ويتحرك في حرية خارج البعدين، الزمان والمكان.
وينتمي (حجاج أدول) فقط للإنسانية وللمتعة التي تجعل الأميرة رائعة الجمال تغادر القصر ليلاً لترقص في الحانات. ففي ألف ليلة وليلة كان تبرير فعل عجيب كهذا هو أنها ألقي عليها تعويذة أو شربت من ماء سحري. أما في الأدب الحديث لدى حجاج أدول يتم شرح وتحليل الظروف النفسية والمجتمعية التي تجعل غير الممكن مستساغاً.
عبر الحكايات وإلى الحكايات. ترقص الأميرة مرمرة في الحانة وتعشق مرة شاعراً أشقر ومرة بدوياً تدعوه لفراشها. بينما تتصدق على الفقراء وتوبخ أخاها الملك علوي على أفعاله في الرعية. وتناقش في عمق القصر أفكاراً حديثة للغاية تخص هيمنة الرجال على النساء.
ملحمة ترون فيها صراع الملوك وأبناء الملوك في بلاد يأتيها رزقها سهلاً محمولاً على مياه سبعة أنهار ويتوجها بحر.
صراع العائلات ودسائس الوزراء وحركات النساء والعبيد داخل القصور. بأسماء سهلة تصلح للتندر لكنها تحمل الرواية بجدية كي لا تغادر حيز الإمتاع. (فوز ولوز- مرمرة وجوهرة- علوي وسلوي……إلخ.
باختصار أنت لن تنسى هذه الرواية الماتعة. ولربما تكون تلك دعوة من العم حجاج ليدلي كل أديب بنصيبه في إثراء عالم ألف ليلة وليلة لتظل النجوم ساهرة في السماء إلى مالا نهاية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روائي مصري
روائي مصري