ناهد السيد
منذ أن غضبت على ربي واعتبرت مرضى ابتلاء، أقعدني المرض رغما عنى لأتأمل ماذا اقترفت يداى لكى يبتليني؟
رحت أعدد حسناتى وأذكرها له جهرا وسرا، لم يشغلنى شىء عن التذكر.. أثناء الأكل وغسيل الوجه والنظر فى المرآة ومكالمات الأصدقاء، لم أنتبه للأصوات، كنت فقط أركز كثيرا فى أفعالى السابقة، لعلى أجد مبررا لابتلائي بهذا المرض العظيم، الذى ينعته الأطباء بالمرض المجنون، ويحسبونه ألعن من السرطان، ولم يكتشفوه بعد لكى يكتشفوا له علاجا.. كيف لى ان أستحقه وأنا المحبوبة من الناس جميعا؟، ألم يأمرالله بحب من أحبه كما يشيعون؟ هل هذه خدعه أو فخ لكى يختبرغرورى؟
ولو افترضنا ذلك.. لماذا يكرهنى البعض؟
لأنه ببساطة يملك ما أملكه من صفات شبيهه بما لديه، لكنى أتفنن فى إخفائها، فيحدث التنافر، وقد يكون كارهي حاسدا أو حاقدا بطبعه، هكذا حللتها لنفسى بإجابة ترضى أنويتى.
صرت أحلل الأمور بهذه الطريقة وكثر صمتي وانطوائي، وصنعت لنفسى محرابا للتأمل، وصل الى حد الهوس، فما أن انزلقت قدمى فى خطوة.. رحت أسأل نفسى لماذا انزلقت الآن؟ هل عطلنى الله عن شىء؟ ماذا حدث فى تلك اللحظة لكى يعرقلنى ربى عن الوقوع به؟ ولم أترك الأمر يمر هباء، حتى لو استغرق منى اليوم بأكلمه.
لا بد لى ان أعرف الحكمة، وغالبا يطلعني على حكمته من كثرة اصرارى، ولكن بفترة كافية ليختبر فيها الرب مدى إصرارك على التفكر، لتمضى وقتا أطول خالصا مخلصا لذكره، ثم يكافئك بالإجابة، التى تدركها الآن بعد أن طهرك إخلاصك.
الخلاصة أن لا شىء يمر بيومك هباء. كل شىء مدبر، محسوب بدقة المحاسب الأعظم.. فقط اسأل نفسك لماذا قابلت هذا الشخص اليوم؟، لماذا قررت فجأة أن أذهب إلى السوق مع زوجتى اليوم؟ لماذا منحت صدقتى لهذا الرجل بالذات؟ أنشغل برسائل الله، سوف يفك لك شفراته ويطلعك إلى بهائه
لهذا اعتذرت لربى عن غضبى، وعفرت وجهى بتراب قدميه عندما جاءتنى رسالته بأنه أنعم عليّ بمرض عظيم
ياويلى! كيف اعتقدت أن العظيم بكل صفاته وهيبته قد يضر نملة مهما صنعت؟
كيف سمحت لنفسى أن أظن به شرا؟
الآن ومهما نعتنى البعض بالمجنونة ومهما سخروا من تعليماتى للتأمل والتفكر فى كل خطوة.. لا أبالى.. صرت أحب الوقوع بالفخاخ، أنتظر انزلاق قدمى، لكى أعيد شحن رأسى بالتأمل والتفكر فى حكمة الله.
لهذا أتمنى ألا تنتهى أزمة الكورونا لأنها انزلاق عظيم، لازلنا لم نستشعره بعد، لازلنا فى غيابات الجب نعب من الحياة ومتعة ملء البطون والتسالى، لا نعبأ بالحكمة من ورائها، ولا نعبأ برسالات الرب، أدعو الله أن تطول الأزمة ويضيق الخناق أكثر فأكثر، إلى أن يدرك الجميع معنى الحياة التى قدمها الرب لنا بداية من يوم عادى وقدرات عادية تؤهلك للعمل والتفكير والنجاح، ونهاية بنوم هانئ فى بيت من أربع جدران يملؤه دفء لم تستشعره بعد
أنا سعيدة بتلك الأزمة كما سعدت بمرضى الذى أطلعنى على خفايا الأمور، الذى قربنى من محبوبى الأعظم، جعل بدنى يقشعر من كلمة صادقة، جعل أنفى يدرك الخداع عن بعد.
لن تمر الأزمة إلا أن تؤتى أكلها، فلن يتراجع الرب عن خير أراده للأمة، عن صفعة ترج الرؤوس لكى تفيق
ليست الإفاقة بالصلاة الرياضية التى اخترعتموها قيام وسجود وثنى ومد، ليست الإفاقة بصدقة مشروطة بمصلحة أو طلب، لم تمنح لوجه الله بدافع الرحمة، ليست الإفاقة بلمس المصحف وقراءة ما تيسر للتباهي بأنك اختتمته مرات، ليست الإفاقة فى حج تقتص تكلفته من مصروف بيتك وشوار ابنتك ومصاريف ابنك لكى تحصل على لقب حاج وترسم كعبة على حائط بيتك، يحسدك عليه المارة.
صبغة الله ومن أحسن من الله صبغه.. الإفاقة هى قدرتك على سلخ جلدك بيدك، تطهير روحك، تأمل مثالبك قبل حسناتك، لا ضير فى أن تتراجع عن أفعالك، أن تعتذر، تنهى حياتك الأولى لتبدأ من جديد
ما نحن فيه هو قيامة صغرى لكى يختبر الرب قدراتنا على صنع حياة جديدة.. ينتظر حتى نتأمل.. بأيدينا نخط خريطة القيامة الكبرى.. لا دخل لله فى ذلك على الإطلاق.