ابتسم..  فأنت مريض

ناهد السيد
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ناهد السيد

ولازالت مفاجآت الذئبة تتوالى، تضخم بعضلة القلب وجلطة في القدم اليمنى، لكنى لازلت أبتسم.

وقع الخبر عليّ صادما ولم أسيطر على دموعي التي انهمرت بلا نهنهة أو تأوه في مركز الأشعة، حتى كنت أتحدث إلى الناس ودموعي تتساقط، لم أفسر ملامح أحد ولم أشعر بأحد وتقريبا كنت لا أسمع ولم ألتفت لابنتي الصغرى التي صاحبتني “شيرى”، وكل ما كان يدور فى ذهنى هو تساؤلات تحتاج الى إجابة وعتاب ولوم: “لماذا يا الله؟ ألن تجعل لألمى آخر؟، متى تنتهى منى؟، لماذا تضع على أحمالا لا أطيقها، ألهذه الدرجة أنت غاضب منى؟

كدت من فرط دموعى أن اسقط أرضا، وآلمنى قلبى وضاقت أنفاسى، فخشيت على ابنتى لأنها بمفردها معى، ولم تعِ كيف تتصرف فى هذه الأمور، فنظرت فى عينهيا، شيرى ذات الوجه البرىء الذى تحول فجأة إلى وجه امرأه فى الخمسينات من عمرها تحمل هموما لا طائل لها  بها، وجه شاحب مهموم تملؤه تساؤلات غاضبة أكثر منى، والتى قرأت بعضها فى عينها: “يارب أنا اترجيت تشفى امى ليه بتعذبها تانى ليه ؟ كل ماتبقى كويسه ونقول هتخف تفاجئنا بكارثة أكبر! يارب مش عارفين نعيش حياتنا ليه كده؟”.

أفزعنى بركان الغضب هذا، كيف تجرأنا على الله عز وجل هكذا، كيف نحدثه بهذه اللهجة، كيف لم نرض بابتلائه ونعمه، منذ متى أصبحنا كنودا، لماذا لم ننظر إلى ما لدينا من نعم، قبل أن نحاسبه والعياذ بالله على ابتلاءاته ، ولماذا اعتبرناها ابتلاء وليس نعمة، لماذا لم نعتبره يحمينا بها من مصيبة أكبر لم نكن نتحملها؟

هكذا هدأت روحى وسريعا ما أمرت عقلى أن يهدأ، وتوقفت دموعى وسكنت دقات قلبى قليلا، وأمسكت بيدى ابنتى فوجدتها باردة تماما، ربت على يدها وطمأنتها ورددت: الحمد لله أنا أحسن من غيرى، وجلب عقلى بعض النماذج المريضة التى قابلتها فى حياتى وحكيت لشيرى عنها، ودخلنا فى حوار كبير جعلنا نسخر من هذه الأخبار الصادمة التى سمعناها وعن أمراض جديدة تضاف إلى تاريخى المرضى ويا عالم هتزول إمتى، وكيف منحنى الله القدرة على  التعايش مع آلامها وأدويتها، وتحول الأمر إلى سخرية من الواقع، وفجأة رأينا ما نحن فيه أتفه بكثير مما حكيناه عن مصائب آخرين، ممن فقدوا فلذات أكبادهم، أو أحد أعضائهم، بصرهم ، حركتهم.

ضحك هستيرى ملأ قلوبنا كأنه حمد لله بطريقه مختلفة، حتى أن قلبى كاد يتوقف وشعرت أنه محشور بين صخور ضخمة، ولما وجدتنى أرتعد من الخوف لأنى حرمت من البكاء والضحك معا باعتبارهما مجهودا لا ينبغى لمريض القلب أن يقوم به،لم أصغ لخوفى وقررت أن أكتفى بالابتسام.

مقالات من نفس القسم