في غرفة الطبيب

ضحى الديب
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ضحى الديب 

الأمر جد معقد أن تُحرر عن قصد أطياف الماضي وتتركها تهوى على أم رأسك بمطرقة من حديد! و الأمر أكثر تعقيدا حين تكون مضطرًا لتحريرها أمام شخص يضع عوينات و يمسك ورقة و قلم ينتظر أي إيماءة منك تُفصح عن كينونة هذا العميل .. مخبول آخر أم مخذول أحمق؟ خلل بكيمياء الدماغ أم اضطراب مزاجي حاد أم وسواس قهري جاء به زاحفا؟ أنت تحت الملاحظة وكل تصرف يمر تحت عدسة مكبرة للتحليل الأولي وهذا شيء مخيف نوعا ما!

هل تتذكر ذاك الحلم المكرر وأنت في منتصف الفصل وفجأة تجد نفسك عارٍ أمام كومة من الأوغاد! تحاول الهرب إلا أن قدميك لا تحملانك كما العادة .. إنه أشبه ما يكون بهذا إن أحسنت التوصيف. لا شي أكثر ثقلا من مجابهة نفسك بنفسك و قبولك التام لتحمل مسؤولية الشخص الذي أصبحته، أن تفتح سرداب الذاكرة و تترك الكلمات و المواقف و الأفراد تتجسد في لوحة سريالية تشبه تجاويف قلبك و منحنيات عقلك فتصبح الأمور أكثر قتامة؛ لكن من رحم الظلمة و مخاض العتمة يولد النور ..  

تقول إحداهن في جلستها الأولى:

“مُخبأة في وحشتي في خفايا قلقي كانت الجلسة الأولى وسط سيل من البسمات الزائفة في محاولة لكسر حواجز لم تٌكسر يوما و نطق كلمات حاولت قمعها بيني و بين نفسي مرارا و وابل من دموع الخيبة أمسكته مخافة أن يسيل كحل عيني ممزوجا ببقية من كبرياء ..

تتزاحم الحروف على ثغري، كلها تصرخ مطالبة بحقها في حيز الوجود ونتيجة هذا .. الكثيرو الكثير من الجمل الناقصة التي لا تُسمن و لا تُغني، كأن كل العرج الفكري الموجود بعالمنا اُختزل لأجل لحظة كتلك! ” سكتت هنا ..

يقول آخر:

“ستبكي رغما عنك، ستستأذن الطبيب لأجل كوب ماء و ربما سيملك من اللباقة ما يؤهله ليعرض عليك الماء و الشاي و القهوة؛ لكنك لن تحتاج إلا للماء .. ستقاوم في البداية لكنك عاجلا أم آجلا تستسلم لسرب العواطف التي تلبستك! تمر جلسة وتمر أخرى .. ربما ستصاب بما يسمى “متلازمة الجلسة الثالثة” و تكفر بجدوى ما تقوم به .. تلعن الزمان ألف مرة و المكان ألف ألف مرة و أنت لا تدري لمَ! هل أذهب أم لا؟ هل أخوض غمار الحرب أم أن الأمر لا يستحق وعثاء التجربة! إن كنت محظوظا كفاية و تخطيت هذه المرحلة أعدك بأنك في هذه الجلسة ستحصل على “شيء ما” لن يكون الحل لكل مشاكلك؛ لكنه سيجعلك ترغب بالمحاولة أكثر .. سيجعلك تنتظر الجلسة القادمة لترى أي تقدم سوف تحرزه .. هل ستكون أقرب لنفسك من ذي قبل؟ هل أنت على طريقك الصحيح للتغيير! “

النفوس أمر أكثر تعقيدا مما نظن وأبسط مما قد نتخيل؛ لكن اسمح لي أن أوضح قاعدة وحيدة و بسيطة كن صريحا كأنما تنظر في مرآتك حتى إن لم تعجبك ساعته الرملية الموضوعة على يمينه أخبره أنها سخيفة و أنها لا تُساعد أخبره بأنك خائف ولا تخجل لكونك أربعيني يرتجف أو ثلاثينية ساخطة أو حتى عشرينية طُحنت بين شقي الرحى!

صديقي البعيد القريب إن لم تتجاوز بعد طفولتك القاسية، الكلمات الخبيثة التي صنعت من وحشتك صديقا لا بأس به، صفعات أمك المتكررة، فقدانك لأبيك، اختبارك لمآس فردية أو جماعية، الأصوات في رأسك، الخوف داخلك .. إن لم تتعلم أن الحياة كلها كدر وأنك برغم الكدر مطالب بالعيش مجاورا إياه ستخدمك زيارة طبيب.

هب أن ألمك بناء تشكيلي متعدد الزوايا سيساعدك على النظر إليه من زاوية أخرى غير التي اعتدت عليها و من يدري! ربما أصبح ذاك الباب الذي باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قِبله العذاب.

ختاما .. لا يوجد وصفة سرية يمكنك اتباعها، ليس ثمة ما هو المكون السري، لا حقيقة للعشر خطوات للنجاح أو كيف تتسلق سلم السعادة .. الحياة سلسلة مفاجآت و العمر فيلم قصير و لا ضمانات، أقصى ما يمكنك فعله أن تحاول.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كاتبة مصرية

مقالات من نفس القسم