عبد اللطيف النيلة
* رواية أولى:
تحت الشجرة الوارفة الظلال، كان يجلس. على بعد خطوتين من الشجرة، تلتمع مياه البحيرة تحت أشعة الشمس. سحبه التماع المياه من هدأته، فدنا من البحيرة. طفق للحظة يتملى جمال المياه، حتى مسه الذهول. كانت نظراته قد سقطت على وجه يشف الماء الساكن عن قسماته الفاتنة.
داهمه الغروب وهو مشدود إلى جمال الوجه المبتل بالماء. سحر الغروب ظلل الوجه فزاده جمالا.
لكنه لم يهنأ طويلا بمتعة الفتنة المضاعفة. أخذ الوجه يختفي مع تقدم الظلام في طرد أطياف الغروب. وقبل أن يختفي الوجه تماما، قذف بنفسه إلى الماء. كان يرغب في الإمساك بالوجه لاستبقائه.
لم يكن يعرف أن الوجه وجهه. كان يجهل السباحة، فغرق.
* رواية ثانية:
تحت الشجرة الوارفة الظلال، كان يعزف على القيثارة. لمسات أنامله الرقيقة تجترح نغمات عذبة تمتزج بشقشقة العصافير. على بعد خطوتين من الشجرة، كانت أشعة الشمس توقّع، فوق البحيرة، التماعات فاتنة. سكنت أنامله لحظة، فيما راحت عيناه تصغيان إلى عزف الأشعة على أوتار المياه. دنا مأخوذا من البحيرة. إيقاعات متناغمة متآلفة تداعب نظراته وتهتز لها أذنه الباطنية. كانت روحه تحلق في ملكوت جمال تطرزه، على صفحة المياه، إيحاءات صور وهسيس أصوات.
فجأة انتفض. تحت عينيه مباشرة، انعكس وجه دميم على صفحة الماء. لم يكن دميما فقط، بل كان في غاية الدمامة. ارتبك تحليق روحه، وترنح تحت وطأة نشاز بعثر متعة التناغم. انقض، دون أن يشعر، على الوجه المتطلع إليه من الماء.
كان يجهل أن الوجه وجهه. لم يكن يعرف السباحة، فغرق.
* رواية ثالثة:
حين يعزف على القيثارة، يتغنى بفتنته. حين يقف أمام البحيرة، يديم النظر في وجهه. وذات يوم، استدعاه حاكم البلاد إلى بلاطه، وأخذ يحاوره في الفن والجمال والعدل، ثم لم يلبث أن سأله:
– من أعدل حاكم على وجه الأرض؟
– أنت حين تعدل يا مولاي.
– ومن أجمل واحد على وجه الأرض؟
– أ.. أنا يا مولاي.
فاجأته جرأته، فعاد يسأله:
– ومن أيضا؟
رد على الفور:
– أنا..
بعدئذ، عُثر على قيثارته تحت الشجرة الوارفة الظلال، فيما كانت جثته طافية فوق مياه البحيرة. كان مطعونا بخنجر.