حكايات الدكتور سْفَر

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

زياد بوزيان

الدكتور سْفَر ليس تونسيا ولا مغربيا ولا حتى مصريا، بل هو جزائري، ويعرف عن الأقطار العربية أكثر ما تعرفه هي عن نفسها، كثيرا ما يُسهب في الحديث عن إحداها لطُلابه؛ عندما تعود به ذكريات الملتقيات الفكري والأدبية التي عقدت بها، والمدهش أنه لم يزر أيا منها ولم يحظر أيا من ملتقياتها  مطلقا. حدّثنا مرة كيف أنه عقد العزم أن يشارك في المؤتمر الأدبي العربي " الهوية في المتخيل السردي"  في ولاية الكاف التونسية، وكيف أنه بات ليله يُحضّر المداخلة، غير أنه فجأة جرى له ما جرى لدريد لحام على الحدود؛ فقد فقد جواز سفره ولم يُسمح له دخول الأراضي التونسية. 

معتزا بذكائه راح مستطردا : ” من خلال هذه الحادثة عرفت أن ربِّنا قد خصني بعنايته.  بعد بُحوثي المُظنية في مخابر الجامعات الجزائرية أرادت مشيئتهُ  « عز وجلّ«  إلاّ أن تسيِّحني في منتجعات القالة “. بينما راح بعض الطلبة يتهامسون فيما بينهم : “وهو إنت تعرف ربّنا يا شيوعي” . راح هو معددا أسباب فشل الثورات العربية : “لو ما كانتش تونس دولة صغيرة ما كانت تخذل ثورتها وتخرُج بربع ثورة عكس ما حصل مع مصر”

الحكاية الأولى: الدين لله والوطن للجميع

-“شايفينوا البارح في المقهى اللي قُبالة الجامع متشدقا بمحفظته الجلدية العتيقة الفائضة بأوراقها وملفاتها وكتبها و بشعره المجعّد كأنه أنشتاين”   -“آه” . ردّ الطالب الآخر همسا. ” كان يقرأ York Times The New وباين عليه مُتبجح أوي راح فتحها بالطول والعرض عشان الناس يشوفوه. أنا محتار حصل عليها منين”

-“ده كان يشرب قهوة لوحدوا منتظر الآذان عشان يصلي”

-“لا أظن.. ما افتكرش، ده لما شفنا دخلنا الجامع عمل نفسو فجأة رجل تقي ومتدين. موش إحنا كنا عايزين نُقعد في المقهى لما شفناه غيرنا رأينا ودخلنا للجامع”

-“أيوة . وتلاقينا في صالة الوضوء وكأنو أحس إننا طفشنا منّوا، عمل راح تبِعنا”

فجأة ينتبه الدكتور سْفر لشوشرة في أقصى الفصل:

-أنت في الخلف، ماذا كنت أقول؟ الظاهر إنُكُم موش معانا خالص. إتكلم

إنت وهو، مجموعة الخلف يالله. أنا كنت أقول إيه؟

-كنت تتكلم عن تونس ياسيدي.

-وماذا قلت؟

-قلت أن الثورة فشلت في تونس.

– أخرُجوا كلُكُم كَمِّلوا كلامكم في الخارج ياللا.

– ياسيدي..يا أستاذ… كنت تقول الثورة لازم تكون ديمقراطية حتى تنجح .

– ياسلام، أنا قُلت كِدا. وماذا أيضا؟

-قلت حضرتك أن الثورة من الأول قامت على أساس ديني، والثوار تصوروا أن الرئيس بن علي طاغية مستبد لما شفوه يضيع الشعب الغلبان ومفكريه المسلمين، ويهتم بالفن و الراقصات ويكرَّمهم بأموالهم ياسيدي زي ما حصل مع ماجدة الرومي وذكرى محمد وموش عارف مين..             

– وإيه تاني؟

-الرئيس مالوش دعوة خالص، بطانة السوء هي اللي عملت كل هذا. وبعدين إحنا دولة ديمقراطية، موش ربنا قال :” قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا 

-أنت تريد أن تقول الدين لله والوطن للجميع أليس كذلك.

– بالضبط أستاذ.          

– برافو، إرجعوا مكانكم.

 ..وفي أحد أركان ساحة الجامعة الواسعة، قرب قاعة الأساتذة، فجأة يلتقي الدكتور سْفَر بتلامذتهِ المشوشرِين مرة ثانية.

الحكاية الثانية: أضعف شعوب الأرض

يا وْلاد موش عيب عليكم البنات يسألوني كثير وينتبهو للدرس وإنتُم عاملينلي اجتماع. -متأسفين يا أستاذ، لكن إحنا عندنا أسئلة خارج الدرس لو سمحت.

-ياللا تفضل قول

-الدكتور سْفَر هو اسمك الحقيقي، لكن إحنا شايفين الناس وأصحابك الأساتذة والطلبة بيسخروا منك يتهيأ لِنا أنهم يقصدو”الدكتور صِفْر”!

-معك حق يابني، هذه غيرة وسوء تربية؛ عارفين مِثل ما قلتلكم في الفصل أنا لقبي sfire لكن حدث خطأ في كتابة الاسم ، المدون الفرنساوي دون ال”e” بدل ال”i” بحسب تقديرو لِتلفُظ جدّي لأول لِأسمو يعنيsfere. والغيرة سببها أن العبد الضعيف أستاذ النقد القديم والحديث والمعاصر، خريج جامعة عين شمس وما أدراك ما عين شمس، وهذا شيء لم يهضموه وهم يعرفون ذلك. فحضراتهم أساتذة في قسم اللغة العربية و آدابها لكن ما يقولوش جملة وتفصيلا جملة مفيدة واحدة بلغة عربية سليمة، ما عدا حالات نادرة. فيهُم من أوفدتهم الدولة إلى مصر مثلي ورجعوا منها بخُفي حنين، و الأمَر أن فيهُم أساتذة في النحو و اللسانيات ولكنهم ألفوا كُتبهم الأولى باللغة الفرنسية ثم تابوا عن التأليف النهائي بعد ذلك.

-لكن يا أستاذ ماتنساش أن الجزائريين تاريخيا يعني…..

-هذا كلام مُستعبطين. والتوانسة ما ستدمروش في لغتهم العربية والليبيين ما تعرضوش لشتى وأعتى أنواع المَحْو، الجزائريين هم أضعف شعوب الأرض اتجاه اللغة العربية لأن كروماتوزاتهم خليط غير متجانس من البربر والمور والافريكاناز؛ نتج جراء الزيجات “الخُلاس” والاختلاط العشوائي على مر العصور ناهيك عن الضغائن والأحقاد الطبقية بين البورجوازي والعروبي والبربري في الحي الواحد. المتعلم عربي فيهم يلُوك العربية لوكا أمام أعين صغاره، وما بالك بالمتفرنس ورجل الشارع.

– عندي سؤال يا أستاذ.

-تفضل.

– وصفت نفسك بالعبد الضعيف، لكن تصرفاتك وسلوكاتك الاجتماعية لا تعكس هذا الوصف، شايفينك تتبجح أوي؟

يرن الجرس وينتهي وقت الاستراحة. احتفظ بسؤالك سأجيبك في الفصل.

الحكاية الثالثة : أصلي في كل دقيقة وثانية

أحم أحم (…) أعزائي الطلبة، الغرور صفة من الصفات الشنيعة المُستقبحة في الانسان؛ تذكّرت وأنا أتكلم قبل قليل مع أحد الطلاب ظاهرة اسمها سرقة البحوث في الجامعات الجزائرية والسطو على مجهودات الغير ، سواءا كان أستاذا جامعيا أو طالبا العيب موش في حب الظهور بمظهر لائق أمام الناس… أبدا إنما العيب كل العيب، بل كل الخزي والعار هو في الغرور وتشويه صورة الآخر. في السبعينيات والثمانينيات –قبل ما تأتوا لهذه الحياة- وحتى التسعينيات تقريبا، كانت الجزائر دولة اشتراكية وكان ما يسمى سرقة أموال الشعب ونهب مؤسسات الدولة مثل “أسواق الفلاح” يتم في السر يعني تحت جنح الظلام لغاية ما فلست الدولة وحصل اللي حصل. وسرقة المذكرات و الأبحاث الجامعية في ذلك الوقت كان هو الآخر “تابوه”. ويكذبوا عليكم لمَّا يقولون لكم أن ترتيب الجامعات الجزائرية الكارثي على المستوى العالمي سببه المباشر ضعف البحث العلمي، لا وألف لا ، هذا سبب غير مباشر، السبب المباشر هو ضعف مستوى الأساتذة : ثمانين بالمئة منهم يحملون درجات علمية مسروقة وفوق هذا وذاك يمارسون البحث العلمي! ويغترون على الطلبة النزهاء ويتبجحون بشهادات لا يستحقونها على الأساتذة النزهاء، في قسم الأدب العربي توجد النسبة الأعلى من هؤلاء؛ طول حياتهم ما عرفوش شيء اسمه الانشاء أو شيء اسمه التَّحرير شبُّوا على منهج خاطئ هو إما الحفظ كأنهم طلاب شريعة وإما الغش، وفي جميع الأحوال لما دخلت البلاد مرحلة اقتصاد السوق زادت الطين بلة. والمفارقة أصبح طالب ال LMDمن طبقة معروفة مُسبقا يُنصح بإعادة مذكرة الماستر لتصبح هي رسالة الدكتوراه، والطالب المتمكن الذي يحمل بحثا جديدا يُتهم ويُهمل! أليس هؤلاء هم طغاة أعتى من الطاغية بن علي نفسه؟

– يقولون أن بن علي باع نفسه للشّيطان يا أستاذ.

– أنا جاي.  ويتجه الدكتور سْفر للطالب السائل في أقصى الفصل.

ماذا تقول؟ شيطان إيه اللي بتتكلم عليه.

– أنا تذكّرت هذه المقولة.. لما شِفْناك البارح تدخل الجامع لأول مرة. هُمَّا (الغيارين) يقولوا عليك شيوعي مُلحد باع نفسو للشيطان.

– إنت مكمِّلتش العبارة ليه؟ أنت تقصد مقولة إسلامية سياسية، صح.

-تمام يا أستاذ.

إحنا موش عايشين في مجتمع ديمقراطي ولا إيه؟ دعهُم يقولون ما يقولون الدّين لازم يبقى خارج السياسة؛ مُوش لِسَ قايلين الدين لله والوطن للجميع و لا إيه؟ إنت فاكر الناس تشبه بعضها ؛ إيش عرفك لو كنت أنا مسلم، مرة أروح للجامع ومرة مرُوحش، موش ربِّنا يقول:” لَوْ شَقَقْتُ بَطْنَهُ لَكُنْتُ أَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِهِ

ولا أصلا أنا مسيحي بصَلي في كل ثانية وفي كل دقيقة.

– لم أفهم يا أستاد؟

الصلاة هي شُكر وطلب المغفرة في خشوع بين يدي الله. صح ولاّ لا.

-صح. لكن متهيئلي حضرتك تتكلم على صلاة المسيحيين.

خلاص، أنا لَمَّا أكون قائم بصلي لله ولمَّا أكون خارج بصلي لربِّنا وهكذا طيلة اليوم.

– من غير وضوء؟

شايفين.. يعني أنا بصلي أكثر من المسلم، في كل وقت، وفي كل زمان ومكان دون مُعيق الوضوء، لأن الله لا ينظر للمظاهر ينظُر للجوهر في الانسان، إلى قلب المؤمن وضميره، ولا يهُم البدن.

…………

*كاتب من الجزائر

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون