كان قد انسل أكثر من نصف الليل أو أكثر.. وبسوق السمك قام الأنفار بتغطية طاولاتهم بالمشمّع، كذلك القهاوي التي كانت تعج بالشاربين، بعد اشتداد المطر لم يسمع بها زرد نرد. استأذنوا من بعضهم بالنهوض. وقاموا، حتى الذين يهجعون متأخرا. كانوا كمن يغوصون بالوحل وتحتهم رقاق من بقايا العلك ولم يزل بالشارع تلك الترسة المقلوبة على ظهرها، تقرع بطنها الأمطار..
بالشوارع ألفوا أنفسهم جائعين، خلال ساعة منصرمة كان سيخ الشاورما ممصوصا حتى من الزيت. وكذلك أسياخ اللحم بالمطاعم ما إن وضعت بالصحون حتى مسحت. الكلاب كانت مهتاجة كذلك. كان يمكن سماع عوائهم من خرائبهم.
ما إن غادر المقهى أحدهم، شط رأسه ووجد نفسه أمام بائع السمك رغم المطر. الرذاذ المرتد عن المشمع يضرب وجهه واجه البائع بنصف عين. وقف يتأمل أمشاط الوقار الصغيرة، والشيلان، ولم يدر بنفسه إلا بيده أحد ثعابين البحر بكيس شفاف. رفع الكيس إلى رأسه ونظر إلى العينين التي رأى ساعتها أنها كانت تبرق ورأى بها السماء؛ ولم يكن يشغل السماء سوى خيط أبيض لامع متذبذب النور.
إمام الجامع المتزوج منذ أسبوعين، حدث نفسه في الشارع، وجد حاله مزهوا تحت جلبابه وليس مذعورا تحت سيلاته. . ووقف بالشارع يفكر بصوت وهو يتوعد زوجته التي نهرها عن الحديث، بيوم غائم لا يظهر الكثير
أنفة امتعاض، وكذلك مصمصة شفاه ما تقابله به حماته. أسبوعان لا شراب له سوى بول الإبل. كان يمشي بالطيب ويشتم نفسه طيلة طريقه إلى الجامع. أسدل محله وهو يتلفت حوله، بعدما أدخل فتاة مشمومة، كما يدخل مسواكه بين أضراسه البيضاء.. عرقه ينزل على عينه، بينما هي أحسست بالجوع. فمد يده لها بقطعة هريسة
” طرف الصاج..أفضل حته “
” متحروقة “
” آه..بس دوقي ”
حك يده على شاربه بعدها مسح يده بطرف الفرنشة، وبدأ يفرك سيجارة على الطاولة، وامتدت يده ليضع الفتاة على حجره، كور يده ليعتصر ثديها المكتنز بيد أنها أفلتت وخرجت تنحني من نصف الباب الصاجي المفتوح. تابعها بنظره من تحت الباب فلم يبصر سوى السماء. فأغلق أبزيم حزامه.
في هذه المدينة هذا ما حدث يومها، وكل من حاول اعتلاء إمراته بهذه الليلة كان يسمع صراخها آخر الشارع من فحولته، وجاء اليوم التالي ولم يتحدث أحد بالبلدة عما حدث ، كل ما حدث أنه بعد تسعة شهور بالموعد جاء أبناء رجال الحي بيوم واحد.
……………
*قاص من مصر