ورم مشاكس يؤنس وحدتى (4)

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

فى مرقدى، وبينما أروّض ألمى، يأخذنى السير لأماكن بعيدة لم تطأها قدماى، وربما لم أشاهد لها صورة على شاشة موبايل أو صفحة مجلة.. أسير تحت أشجار الكوكا فى جبال الأنديز، أمدد جسدى على العشب فى ظل شجرة الكوكا، تتساقط الأوراق الجافة على وجهى، أُجرب أن أمضغها فيقل الألم ويطيب لى المقام فى بلاد بعيدة، ومن أقصى الجنوب الأمريكى أطير إلى وسط آسيا، حيث مساحات شاسعة من الزهور متعددة الألوان الأبيض، والأحمر، والأصفر.. 

أبحث عن زهرة لم تتفتح، يسبقنى لواحدة ولد صغير حافى القدمين لم يتجاوز العاشرة، وبسكين حادة يجرح جدار الزهرة الخارجى فيسيل دمها أبيض كثيفًا لزجًا، يتحول بمرور الساعات للونين البنى والعسلى الغامق، مركب مثل الصمغ يجمعه الفلاحون الفارون من مطاردة ومداهمات الشرطة، حيث تُحرم زراعة الخشخاش لغير أغراض الأبحاث الطبية والصناعات الدوائية، لكن الفلاحين الفقراء الذين لا يعرفون غير هذه الزراعة سيراوغون من أجل لقمة العيش ومن أجل الكسوة، لن يطمع الصغير المرافق لى فى حذاء، فهذه رفاهية لا يملكها أبناء النسيان.. يمكن للجميع أن يدين كل ما هو غير مشروع.. كل ما هو غير قانونى.. لكننى الفرد الوحيد فى معاناته وألمه سأؤيد الخشخاش.. الأفيون.. المورفين.. أى مادة تكون حليفى وسوطى الذى أروّض به ألمى.

رحلة الخشخاش من نبات سرى إلى نبات مُحرّم إلى لاصقة طبية بنسب مقننة مصرح باستخدامها تحت الإشراف الطبى، ليست بالرحلة السهلة.. إنها دروب سار فيها كيميائيون وعلماء لفصل المادة الفعالة من نبات الخشخاش.. مدينةٌ أنا بلحظات سكينتى للصيدلى الألمانى فريدريك سورتونر الذى اكتشف المورفين عام ١٨٠٤، وأطلق على المادة المستخلصة «مورفيوم» نسبة إلى «مورفيوس» إله الأحلام، أحد أبناء «هيبنوس» إله النوم فى الأساطير الإغريقية.. مورفيوس وهيبنوس.. أجمل الأسماء التى أترنم بها ما بين يقظتى ونومى.. فى الحالة التى أصبحت فيها شجرة جافة تنتظر الشمس، مجرد جسد يرتد لاحتياجاته البدائية؛ الطعام، الإخراج، النوم.

عندما أسترد عافيتى سأسافر لكوكب عطارد.. لن أغيب كثيرًا، فقط سأعود بأحسن وأطعم بطاطس مقلية تذوقها إنسان.. منذ أن أصبحت ماهرة فى الطبخ وظهرت كراماتى فى المعجنات والمكرونات غير اللحوم والبانيهات، وأنا أنصح أخواتى وصديقاتى المقربات بأن أفضل بطاطس مقلية هى التى تُقلى مرتين: المرة الأولى على نار هادئة، والثانية على نار حامية، وهى الطريقة التى بفضلها تتكون القشرة الخارجية المقرمشة سريعًا فتحبس بخار الماء داخل إصبع البطاطس، وبفعل سخونة البخار يتحول قلب البطاطس لمخفوق زبدى هش.. لكن لا شىء فى هذا العالم منذ أصبحت لاصقة «دروجيسيك ٥٠» لا تشبع ألمى، صار يتم ببساطة أو يسر، كل حركة شهيق وزفير تحتاج لمواءمة وضبط، رفة جفنى: عملية ميكانيكية وعضلية وعصبية معقدة.. صارت نصيحتى مجرد طنطنة وتبسيط مخلٍ لما يحدث فى عالم البطاطس المقلية، كل الأمور أصبحت معقدة، متداخلة، لا شىء يخضع للصدفة حتى البطاطس المقلية التى أحبها ولا أستطيع تناولها صارت الآن عالمًا.. دنيا.. كونًا علىّ أن أعرف قواعده وقوانينه، ليس مجرد أن نمسك سكينًا.. نقشر.. هوبّا.. ويالا..

الحصول على أصابع البطاطس المثالية التى تجمع بين قشرة خارجية ذهبية رقيقة، وحشوة داخلية ساخنة ذائبة، يتطلب معادلات واختبارات علماء فى المعامل وليس مجرد اجتهاد طباخين مهرة، وهناك علماء كيمياء يكرسون حياتهم لبحث ودراسة العوامل المختلفة التى تؤثر على سرعة أو بطء التخلص من بخار الماء لإعطاء البطاطس المقلية هذه القرمشة الخارجية والذوبان الداخلى.. جامعات عريقة فى أمريكا وأوروبا تواصل الليل بالنهار لدراسة الأمر.. نظريات، وأجهزة طرد مركزى، وموازين حرارة، كلها تعمل من أجل الحصول على أحسن بطاطس مقلية.. والخلاصة الصادمة لعشاق «البوم فريت» أعلنها فريق من علماء الكيمياء فى جامعة ثيسالونيكى فى اليونان، فقد توصلوا إلى أن كوكب الأرض ليس هو المكان الأفضل فى هذا الكون لقلى البطاطس. وأن البطاطس تُطهى بشكل أفضل فى ظل جاذبية تساوى ثلاث مرات جاذبية كوكب الأرض، وهى بيئة مشابهة لتلك المتوفرة على سطح كوكب عطارد.. فمن يرغب فى السفر لجبال الأنديز أو سهول الأفغان أو الكوكب الأحمر والعودة بأوراق صغيرة طرفية مستطيلة وزهور خضراء غير ناضجة وكيس بوم فريت.. ليهديها لشجرة جافة تنتظر الشمس.طير إلى وسط آسيا، حيث مساحات شاسعة من الزهور متعددة الألوان الأبيض، والأحمر، والأصفر..

أبحث عن زهرة لم تتفتح، يسبقنى لواحدة ولد صغير حافى القدمين لم يتجاوز العاشرة، وبسكين حادة يجرح جدار الزهرة الخارجى فيسيل دمها أبيض كثيفًا لزجًا، يتحول بمرور الساعات للونين البنى والعسلى الغامق، مركب مثل الصمغ يجمعه الفلاحون الفارون من مطاردة ومداهمات الشرطة، حيث تُحرم زراعة الخشخاش لغير أغراض الأبحاث الطبية والصناعات الدوائية، لكن الفلاحين الفقراء الذين لا يعرفون غير هذه الزراعة سيراوغون من أجل لقمة العيش ومن أجل الكسوة، لن يطمع الصغير المرافق لى فى حذاء، فهذه رفاهية لا يملكها أبناء النسيان.. يمكن للجميع أن يدين كل ما هو غير مشروع.. كل ما هو غير قانونى.. لكننى الفرد الوحيد فى معاناته وألمه سأؤيد الخشخاش.. الأفيون.. المورفين.. أى مادة تكون حليفى وسوطى الذى أروّض به ألمى.

رحلة الخشخاش من نبات سرى إلى نبات مُحرّم إلى لاصقة طبية بنسب مقننة مصرح باستخدامها تحت الإشراف الطبى، ليست بالرحلة السهلة.. إنها دروب سار فيها كيميائيون وعلماء لفصل المادة الفعالة من نبات الخشخاش.. مدينةٌ أنا بلحظات سكينتى للصيدلى الألمانى فريدريك سورتونر الذى اكتشف المورفين عام ١٨٠٤، وأطلق على المادة المستخلصة «مورفيوم» نسبة إلى «مورفيوس» إله الأحلام، أحد أبناء «هيبنوس» إله النوم فى الأساطير الإغريقية.. مورفيوس وهيبنوس.. أجمل الأسماء التى أترنم بها ما بين يقظتى ونومى.. فى الحالة التى أصبحت فيها شجرة جافة تنتظر الشمس، مجرد جسد يرتد لاحتياجاته البدائية؛ الطعام، الإخراج، النوم.

عندما أسترد عافيتى سأسافر لكوكب عطارد.. لن أغيب كثيرًا، فقط سأعود بأحسن وأطعم بطاطس مقلية تذوقها إنسان.. منذ أن أصبحت ماهرة فى الطبخ وظهرت كراماتى فى المعجنات والمكرونات غير اللحوم والبانيهات، وأنا أنصح أخواتى وصديقاتى المقربات بأن أفضل بطاطس مقلية هى التى تُقلى مرتين: المرة الأولى على نار هادئة، والثانية على نار حامية، وهى الطريقة التى بفضلها تتكون القشرة الخارجية المقرمشة سريعًا فتحبس بخار الماء داخل إصبع البطاطس، وبفعل سخونة البخار يتحول قلب البطاطس لمخفوق زبدى هش.. لكن لا شىء فى هذا العالم منذ أصبحت لاصقة «دروجيسيك ٥٠» لا تشبع ألمى، صار يتم ببساطة أو يسر، كل حركة شهيق وزفير تحتاج لمواءمة وضبط، رفة جفنى: عملية ميكانيكية وعضلية وعصبية معقدة.. صارت نصيحتى مجرد طنطنة وتبسيط مخلٍ لما يحدث فى عالم البطاطس المقلية، كل الأمور أصبحت معقدة، متداخلة، لا شىء يخضع للصدفة حتى البطاطس المقلية التى أحبها ولا أستطيع تناولها صارت الآن عالمًا.. دنيا.. كونًا علىّ أن أعرف قواعده وقوانينه، ليس مجرد أن نمسك سكينًا.. نقشر.. هوبّا.. ويالا..

الحصول على أصابع البطاطس المثالية التى تجمع بين قشرة خارجية ذهبية رقيقة، وحشوة داخلية ساخنة ذائبة، يتطلب معادلات واختبارات علماء فى المعامل وليس مجرد اجتهاد طباخين مهرة، وهناك علماء كيمياء يكرسون حياتهم لبحث ودراسة العوامل المختلفة التى تؤثر على سرعة أو بطء التخلص من بخار الماء لإعطاء البطاطس المقلية هذه القرمشة الخارجية والذوبان الداخلى.. جامعات عريقة فى أمريكا وأوروبا تواصل الليل بالنهار لدراسة الأمر.. نظريات، وأجهزة طرد مركزى، وموازين حرارة، كلها تعمل من أجل الحصول على أحسن بطاطس مقلية.. والخلاصة الصادمة لعشاق «البوم فريت» أعلنها فريق من علماء الكيمياء فى جامعة ثيسالونيكى فى اليونان، فقد توصلوا إلى أن كوكب الأرض ليس هو المكان الأفضل فى هذا الكون لقلى البطاطس. وأن البطاطس تُطهى بشكل أفضل فى ظل جاذبية تساوى ثلاث مرات جاذبية كوكب الأرض، وهى بيئة مشابهة لتلك المتوفرة على سطح كوكب عطارد.. فمن يرغب فى السفر لجبال الأنديز أو سهول الأفغان أو الكوكب الأحمر والعودة بأوراق صغيرة طرفية مستطيلة وزهور خضراء غير ناضجة وكيس بوم فريت.. ليهديها لشجرة جافة تنتظر الشمس.

 

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون