نهى محمود
النساء الموصومات بالكره بغيضات، اخترعت هذه الجملة منذ سنوات.. أقولها لنفسي كلما شعرت بالغضب يؤثر على حواسي. أبتسم وأعرف أن كل شيء سيكون على ما يرام.
علمت صغيرتي أن كل شيء سيبدو مثالياً، عندما يصفو الهواء من الغضب والتراب.
سيعود الهواء الناعم ليلمس خدها كما تحب.. وتعود الشمس لتحيط جسدي فتمنحني وهجاً مختلطاً فلا أعرف هل الشمس هي مصدره، أم قوة الحياة ورغبتي فيها هو ما يملئني به.
لكني نسيت وسط رغبتي الدائمة في الوقوف على قدمي، والحرص على ألا تسيل الدموع من عيني، وأن أبقى ثابتة لا أترنح.. نسيت وسط كل ذلك أن أستسلم أحيانا للحزن، وأترك قلبي يشعر بالخذلان والفشل، وأن تملأ سحابات عدم اليقين والخوف، الصورة من حولي، حتى لو أزاحت الشمس الساطعة التي أراها دائما بكل روحي.
النساء الموصومات بالكره بغيضات يا نهى.
أقولها كثيرا هذه الأيام، وأمضي بهشاشة واضحة، ألمحها في الصور التي ألتقطها، وفي الدموع التي تنساب من عيني كلما أصبحت وحدي.
وفي خجل يبدو مثل حفرة كبيرة في حائط قلبي.. خجل من مواجهة الآخرين وأنا أحمل جعبة الفشل فوق رأسي، وفي رغبتي المحمومة في المشي، أشعر بخطواتي واسعة ومتكئة على الإسفلت تسرسب مني كل ما يوجعني وأرغب في التخلص منه، بينما أحتفظ بالحنين الكبير لصديق رحل قريبا للناحية الأخرى تاركا ابتسامته الواسعة وحكاياته العظيمة البلهاء، وصديقة غادرت، لأنها شعرت بعد عشرين سنة من صداقتنا أني خذلتها كثيرا واختارت وقتا مثاليا لها أن تلوح لي من بعيد وتغادر، في الحقيقة هي لم تلوح لي.. هي صمتت وتلاشت.
يتآكل قلبي من الحنين والحزن والفوضى لكني أعرف أني سأنجو هذه المرة أيضا.
أخوض طوال نومي معارك في مركب خرب، وسط بحر كبير، حروب تشبه ما شاهدته في قراصنة الكاريبي، عندما استيقظ أفكر في “أرنولدو بلوم” أحد ابطالي المفضلين ومصيره عندما وضع قلبه في صندوق وغادر اليابسة تاركا حبيبته هناك، فكرت لأول مرة كيف يتألم وهو بدون قلب؟
اتسعت ابتسامتي، وشعرت بقلبي ينبض بتأثر كبير ودموع سالت على وجنتي ولم أبالي، وأنا أشاهد فيلما بالصدفة على إحدى قنوات الأفلام، نظرت “جولييت بينوش “ في عيني مباشرة وقالت كلاما قاسيا ورقيقا، وقال “كلايف أوين” هو الآخر كلاما مغمسا بقوة عن الحب والفن والضعف الإنساني.. تحدثا لي كثيرا في فيلم “كلمات وصور”، حاولت أن أقاوم قليلا حتى أني قلت لنفسي إني كبرت على أن يحرك فيلم رومانسي مشاعري ويأسرني هكذا، لكني في النهاية بكيت واستقبلت العلامة وفهمت أني سأنجو بالحب وبالجمال الموجود حولي، تماما كما جرحني دائما الحب وأوجعني التعرض للأشياء الجميلة بقوة وجع القبح.
لم يعد يحتمل قلبي التطرف والأشياء الرائعة المتقنة التي تعذبني بنفس قسوة التعرض للجفاف، تساوى في روحي صوت الأغصان المتكسرة على الأسفلت في الخريف وإبهار الزهور الحمراء والبنفسجية في شجر البونسيانا.
أفكر أن بوصلتي في الشعور أصابها العطب من ثقل ما حملتها، وأني أتألم طوال الوقت.. ولم يعد يمكنني التفريق بين طعم الحلوى والأشياء العذبة..
لكني سأنجو، لأجل ابتسامة صغيرتي وهي تغني معي أغنيتنا الجديدة، فتشير لي وتقول: “إنت الحظ”، قبل ان أكمل أنا “إنت الحظ يا حظ”، ولأجل يد أبي التي تطبق علي يدي، وهمسه لي طوال الوقت أني قوية وصلبة، ولرغبتي الكبيرة والحقيقية في الفرح والسعادة، ومحبتي للعب.
رغبتي أن العب وأغني وأرقص في شوارع هادئة وخالية وبعيدة وممتدة لهناك حيث يمكنني أن أكتب وأكتب، وتصير لي أجنحة سحرية ربما اتجهت نحو الشمس ولمست قلبها الواسع المبهج الدافئ، أو بقيت هنا واكتفيت بالوهج الممتد بيني وبينها.. هنا بين السماء والأرض نلعب لعبتنا وتبتسم كل منا للأخرى.