خبيب صيام
1
ألقيت الشمس من نافذتي وهرعت..
فكان الليل البهيم
رحت أهيم لألحق
بالمباني التي كانت صاخبة بالنهار
والآن تستكين
لترتاح من عناء الوطء.
يتمدد ظلي على الأرض
أمسحه من بقاياها
وما علق به وبي منها.
أنتقل من غصن لغصن
أبحث عن تلك الواحدة الفريدة
التي تملئ هذا الفراغ البشع.
للشلال والصنبور صوت
لكن الخرير مختلف تمامًا
السِحر لا يُدرك
سوى بعد فوات بُرهة من تأثير إيقاعه..
حاولت أن أنعتق من نفسي
لأعتنق نفسي أكثر!
لكني صرت كمنديل ورقي
أغرته الريح برحلة
فتاه إلى الأبد من يد صاحبه.
2
أمعن النظر في السماء
كما لو أني أرمق فتاتي الأثيرة
أُطالع السحاب
وأشكِل منه صورًا لحيوانات وحيوات أفِلت
وأشجار ليس بها فواكه
لكنها تثمر رغبات بداخلي
أرى فتاتي التي ولّت بسحابة بعيدة
اغترب عن مكاني هنا
وأغادر بروحي نحو الأفق
أسمع طفلًا يبكي فيزداد قلقي
أتمنى لو أجده فأضمه
ولا أدري مصدرًا للصوت
أتذكر فتاة كنت أعرفها
كانت تبكي
بمجرد أن تتذوق النبيذ الأحمر
بالأخير أنتبه
أن مكمن البكاء داخل صدري
ولأني سئمت بكائي رُحت أغني.
فجأة وجدتني مُبتل
لم انتبه أنها تمطر
إلا حين أفقت وأمعنت النظر
وجدت الشارع يغرق في عَرقة
وعاصفة تثير الجو من حولي
عُدت بروحي لجِلدي المنكمش
أضم ذاتي أسفل معطفي
حاولت احتضان السحابة المُولية
لكني كنت أحتضن الهواء
وأشعر بالبرد أكثر
بجنبات روحي
بدا لي المكان وكأنه يتمتع بأبعاد مختلفة
أقبَلت نحوي فتاة
ترتدي مِعطف صوف لونه أخضر
باغتتني رائحة أنفاسها
كانت معجونة بالقهوة
قدمت لي كوبًا مع ابتسامة
ومض بداخلي ضوء
لم استوعب مصدره
رشفت القهوة
وأبقيتها في فمي
وكأني أحاول إدراكها لا استطعامها
حينها فقط شعرت بالدفء.
3
أتمنى أن أعيش في سفر أبدي
وأنا أجول الأمصار
أركب حافلة بلون قوس قزح
أجلس بكرسي جوار النافذة
وأحدق في الفضاء الأبدي
بصري يجول بالقُرب
ونحو النجوم والأفق
وعيناي بنَهمٍ
تلتهم طبق الطبيعة
من سماء وقمر
ونجوم شمس وسحاب
خضرة ورمال وبحار.
استريح من مشقة السفر
بالنوم والانغماس في حلم
أراني فيه أجول بلا توقف
أرى حينها حولي تلك الطيور..
أتساءل
عن ماذا تُحدِث نفسها؟!
عن ماذا تُحادث غيرها؟!
بالفضاء الفسيح
أعوم في وسط مائع
يشبه “جيلي” لذيذ
تعده أمي بطعم الفراولة
أتذكر حبيبتي
الخرساء الصاخبة
الجميلة المُضطربة
الفتاة التي أحببتها دومًا
بلا سبب ملموس
اخْتلت
ولم تعد تدري سبيلًا إلى رشدها
وكأن لوثة وجدت سبيلها إلى قلبها المخملي
حاولت إمساك يدها
والربت على كتفها بنعومة ودِعة
لنعود للحافلة
ونلحق بالحفل
فغضت الطرف
ونأت بجانبها
أدرت خدها ناحيتي
ونظرت مطولًا في عينيها
لأمتص كل الآلام
وأداويها ببريق عيناي
وبالحب الذي أُكنه لها.
فتاهت في الظلام
خائفة فرائسها ترتعد
وتصرخ بهلع الموتى
حين أدركوا أنهم
لن يعودوا مجددًا للحياة
غابت عن ناظري
حين دخل المساء إلى الحفل
وهو صاحب الحفل
ظهر في بدلته الأنيقة السوداء
بلا أي أبيض على الإطلاق.
ناوشني بإبتسامة صفراء
كرهت حينها الأصفر
وجريت بالزحام
ناديت إسم حبيبتي
صراخًا بالفضاء الفسيح..
لا رد ولا صدى
لملمت روحي حينها غابت الألوان
ورسم المساء لونه الوحيد
وطغى على كل شيء
لا أحد هنا بالكون سواي
أنا وسواد المساء وأطلال حبيبة بداخلي
لم تكن يومًا سوى صورة
من نسج خيالي المُختل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قاص وشاعر مصري، من ديوان “إني سقيم” صادر مؤخرًا عن سلسلة إبداعات جديدة . الهيئة المصرية العامة للكتاب