الكتابة .. الصداقة .. البراح

رسالة مي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

رسالة اتأخرت في البريد بين كندا وكولومبيا

مساء الخير يا أسماء

أكتب من شقتي الصغيرة في أوتاوا بوسط المدينة. الليل حل سريعا. تذكرت أني حين انتقلت إليها في يونيو الماضي، منذ عام وبضعة أسابيع، كنت أشعر بالوحشة في الليل. رغم أني على بعد خطوات من شارع البارات والحانات والمطاعم الشهير – اسمه Elgin، يضحكني الاسم لأنه ينطق “الجن”. شياطين الليل تحاصر المكان والوحدة أيضا.

في رسالتك الأخيرة التي صاحبت هدية عيد الميلاد، تحدثت عن الصداقة، وكيف يمكن للأصدقاء\الصديقات أن يكونوا مرايانا، نرى فيها وفيهم أنفسنا بشكل أو بآخر. هي فكرة مثالية في رأيي. نتوق إليها ولا نصدقها. لا أرى نفسي في أحد. ربما أفهم عن نفسي أشياء بالحديث والتواصل مع الآخرين، الولدين أو أخي أو بعض الأصدقاء القريبين للقلب. أفهم حين أتحدث. لكني لست ثرثارة. يقول دولوز “الكلام نجس، أما الكتابة فطاهرة.” ربما أثرثر في الكتابة ولا أطيق الثرثرة في الواقع! وإن كان هذا يتنافى بمعنى من المعاني مع كوني “مدرسة جامعة”.

قضيت اليوم كاملا في البيت. ساعتان على الفيسبوك. أتابع مخاوف صديقة من حمى الضنك وأبحث عن المصطلح بالإنجليزية. لا أهتم بأمور الصحة إلا في أضيق الحدود. لا أفهم في وظائف الجسم ولا وظائف الدواء كأني أصم الأذن عن شبح الميلودراما المتعلق بالجسد وآلامه. ماذا عنك؟ هل تفكرين أحيانا في المرض؟ الوهن؟ مطالب الجسد التي لا تنتهي؟ الموت النهاية الصعود؟ هل تخافين من الألم؟ سؤال ساذج، أعرف. ربما يكون مفتتحا للكلام عن “الخوف” بصفة عامة. أكره الألم بكل أشكاله وأحاول مواجهته مهما كان الثمن. الوحدة في الألم قوة، أظن. حين أتألم أختفي وأحرص على وحدتي لمواجهته. مش من باب البطولة، من باب الحصار. صورة المتاهة الإغريقية ومواجهة الوحش هي ما يتبادر إلى الذهن الآن.

ما الذي دفعني، أو دفع الكتابة، لهذا الموضوع الشائك؟ الصداقة، المرايا، الألم، الوحدة، الجسد، الوجود المادي. رؤوس موضوعات تصلح لرسائل كثيرة قادمة.

من غرفة الصالون حيث أجلس وحيدة، لا أرى محظوظ. منذ التهم الفراشة أمس وهو هادئ. أخشى أن تكون قد أثرت على معدته. جهلي بحياة القطط كبير، لكني لا أعتبره قطا، هو بشكل ما صديق أيضا.

تشاء المصادفة أني شاهدت اليوم فيلما بعنوان Our Friend بطولة ممثلة تثبت موهبتها فيلما بعد الآخر، داكوتا جونسون، تذكرينها من Shades of Gray. عن شابة وأم تموت بسبب السرطان ويصحبها في الرحلة زوجها وصديقها. حب الزوج وحب الصديق مختلفان. لم ينزلق الفيلم للفخ المعتاد بتصوير علاقة مثلث. فعلا الصديق هو صديق روح، تشعر تجاهه بالمسؤولية، وبقدر من الأمومة. فليم مؤثر وحنون، رغم خشونة الموضوع وتصاعد الحزن بشكل مطرد حتى وفاة البطلة.

تلقيت اليوم أشياء اشتريتها على أمازون. قهوة، دراي فود لمحظوظ، بنطلون جينز. أعتقد أن غياب الرسائل من صندوق البريد سبب إقبال الناس وأنا منهم على شراء البضائع أونلاين. أحد الأسباب الخفية. أفرح حين يصلني صندوق أمازون! ثمة علاقة مع آخرين مجهولين تنشأ بحركة البيع والشراء. وشعور المفاجأة عند فتح الصندوق، وفرحة وصول الشيء الذي رأيته صورة فقط قبل أيام. لا يمنع هذا فتح صندوق البريد الصغير وإدخال يدي في النفق المصنوع من المعدن للتأكد من عدم وجود ظرف باسمي!

يمكنك إذن أن تتخيلي فرحتي وأنا أفتح “في إنجلترا” الكيس الكبير الذي احتفظ به شهاب سرا حتى ليلة عيد الميلاد والذي وجدت فيه هديتك والرسالة المرفقة في مظروف أصغر. طبعا لا أنكر فرحتي بالهدية. لم أصدق أنك تكبدت مشقة إرسالها من كولومبيا لتصلني في أكسفورد قبل سفري منها بيومين وفي التوقيت نفسه الذي اختاره شهاب لإهدائي هدية عيد ميلادي. قرأت رسالتك ليلا، وقرأتها ثانية قبل قليل. جميل أن نفكر في المراسلة والنشر. والأجمل أن نكتب بحرية.

أخرجت النوتبوك الجديد الذي اشتريته في الإسكندرية منذ أشهر لأكتب لك على أوراقه رسالة بطعم مصر. من أوتاوا لميديين عبر تلك العلامات المشتركة. الورق – مرآة ثقافة ما، دليل وجودها المادي. الرسوم أيضا.

أرفق هدية صغيرة، أيضا من مصر، من ديوان الزمالك. لا أعرف مدى حبك أو تعلقك بالكراسات. أنا أقتنيها وأستخدمها، لكني أكدسها أحيانا بلا منطق واضح. أتمنى أن يعجبك وأن تجدي له الاستخدام المناسب.

إشارات كثيرة هنا لا تكتمل إلا بما نشرته على فيسبوك في الفترة الأخيرة. ربما يكون لتلك الرسائل امتدادات لا نعلمها، بعضها افتراضي، وبعضها خارج حدود المادة. في الخيال أو في المشاعر. وبعض ما ورد في رسالتك (المكتوبة) يكتمل أيضا برسائلك الصوتية. نتحدث كثيرا ونكتب من آن لآخر فيتسع الكون من حولنا.

البراح. كلمة أحبها.

مي

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار