متلازمتا الخوف والموت

الإنسان يعيش مرة واحدة
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

سلمى وسيم

“الحياة اللي كلها خوف ملهاش لازمة”
عبارة من فيلم (الإنسان يعيش مرة واحدة)، يوجهها هاني معلم مادة التاريخ الجديد إلى بكري غفير المدرسة التي أصبح هاني يعمل بها بالسلوم أقصى الحدود الغربية لمصر، بعد نقله من مدرسته بالقاهرة بعد أن ضبطه ناظر المدرسة نائمًا بالحصة الأولى نتيجة قضائه الليل بطوله في السكر ولعب القمار.
بكري الغفير الهارب من الصعيد والثأر الذي يلاحقه، مخلفًا ابنه الذي شب دون أن يرى أباه، وزوجته وأصحابه وحياته بأسرها، ليمضي أيامه فارًا من الموت حبيس شرنقة الخوف خلف أسوار المدرسة التي لا يغادرها، تمضي الأيام عليه دون أن يمضي فيها، يخشى النوم حتى لا يداهمه الموت على يد “هريدي” صاحب الثأر.
يحكي بكري لهاني قصته هذه بعد ألفة نشأت بينهما مع مضي الأيام، ليوجه هاني له عبا رة:”الحياة اللي كلها خوف ملهاش لازمة”. تتوالى بعد هذا أحداث الفيلم، ليخرج بكري للمرة الأولى مع هاني بناء على طلب الأخير ليقضيا السهرة في أحد مقاهي السلوم التي تخلو من أي سبل أخرى للترفيه، ليصطدم ببكري أحد أبناء قريته ويشتبه فيه، فينكر بكري هويته ويدعي لنفسه اسمًا وبلدًا آخرين، ويندم على خروجه من قمقمه ويخشى ويلات ما حدث.
يزور المدرسة في اليوم الذي يليه شاب صعيدي يسأل عن بكري، فيقابله هاني صدفة عند بوابة المدرسة فيسأله عن هويته ليعرف أنه ابن بكري. يتحقق من بطاقة هويته قبل أن يطلب من بكري أن يقابله، لتكون تلك المقابلة التي يجتمع فيها الابن بأبيه للمرة الأولى بمثابة الكف الذي يستفيق بكري على إثره لينظر للحياة من عدسة جديدة تزيح الخوف بعيدًا عن مداها.
الخوف كالآباء صنفان، صنف يحمي طفله من السقوط من السرير بتطويقه بالمخدات، ويضع عبوات الدواء على أرفف عالية، ويقرأ المعوذتين عليه قبل أول حفل مدرسي له، وصنف آخر يمنع عن طفله الحلوى كلها حتى لا تسوس أسنانه، ومن مشاهدة التلفاز حتى لا يضعف نظره، ومن اللعب مع أقرانه تحت المنزل حتى لا تدهسه سيارة.
ولا شك أن الخوف الطبيعي أمر محمود، بل وواجب لاستمرار الجنس البشري أصلًا؛ فهو كابح للطيش والرعونة، ومنظم للشهوات، ضروري لتنظيم السلوك البشري والتعاملات بين البشر.
لكن ماذا يحدث عندما يتوحش الخوف في نفس الإنسان؟
بكل صفاقة يفترس حياته ويرمي له الفتات الهزيل الكافي بالكاد لسد رمقه منها.
خوف من الرفض، يجردك من بسالة الاعتراف بالحب، إلقاء نكتة سخيفة على الأصحاب، طلب صداقة أحدهم على الفيسبوك، رفع يدك في الفصل إبداء لرغبتك في المشاركة في مسابقة القراءة.
خوف من الفشل، يمنعك من السماح بالوقوع في الحب، الذهاب إلى مقابلة العمل، بدء حمية غذائية، الاشتراك في فصل اللغة الإسبانية.
خوف من أن تكون ثقيلًا على أحدهم، يمنعك من إرسال رسالة لأحد المعارف تطلب مشورة أو مساعدة ما، مهاتفة صديق لتبكي وتبكي وتبكي، تكرار السؤال على المعلم لأنك ما زالت لا تفهم نفس النقطة التي سألته فيها.
خوف من الفقد، يدميك وأنت تلتقط صورة جماعية في عيد ميلادك مع الأهل والأصدقاء، وفجأة يرسم لك نفس اللقطة وهذان قد صارا تحت التراب وهذا في بلد آخر وذاك وقد بهت كل شيء بينكما.
خوف من الموت، يسلمك له وأنت على قيد الحياة.
ولا ختام أفضل من مقولة محفوظ الخالدة في “أولاد حارتنا”: “الموت الذي يقتل الحياة بالخوف حتى قبل أن يجيء. لو رُدَّ إلى الحياة لصاح بكل رجل: لا تخف! الخوف لا يمنع من الموت ولكنه يمنع من الحياة. ولستم يا أهل حارتنا أحياء ولن تتاح لكم الحياة ما دمتم تخافون الموت”.

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار