مريم أنيس شكري
أنا قلبي دليلي، أتبعه ليرشدني حيث يشير، يسبقني إلى الحقائق ويريني ما تعمى عنه الأعين، وما غاب عن الإدراك، فلا يخدعني بريق زائف ولا تغرني كلمات منمقة، يري عيونهم فيكشف لي عن مكنونهم فلغة العيون لا تكذب أبدًا…
ذات يوم، شعرت بضيق يطبق على صدري، كأن جدران غرفتي بصمتها القاتل تسرق مني الهواء وتخنقني دون رحمة، لملمت خيوطي وخرجت إلى الحديقة المطلة على النهر، حيث اتساع الأفق وحرية الريح، والطبيعة تمنحني حضنها الدافئ دون شروط.
جلست على الحشائش، أمامي النهر بمياهه الرقراقة، ينساب في هدوء وكأنه يبوح لي بأسراره القديمة، رغم أن الوقت مازال ظهرًا كانت السماء تتشح بغيمات الشتاء الداكنة، كأنها تستعد للبكاء، كم أعشق الشتاء، أعشق نسماته الباردة التي تداعب وجنتي، وأعشق المطر حين يغسل الأرض من أعبائها، كما يغسل قلبي من أحزانه، أحب الطبيعة وأن أترك نفسي بين السماء والماء وكأن قلبي كالفراشة بينهم وأمقت كل مكان مغلق..
استخرجت خيوطي من حقيبتي وبدأت في حياكة كنزة جديدة، تحمل ألوانًا عدة، ولكن أساسها كان اللون الأحمر..
لا أدري متى بدأ عشقي لهذا اللون؟ ولماذا يرمز دومًا للحب؟ أهو لون الدماء التي يضخها القلب حين يلهث شوقًا لمعشوقه؟ أم أنه رمز الحياة كما أن الحب هو الحياة نفسها؟ تأملت الورود من حولي، فوجدت الحمراء منها أكثرهن جمالًا، كأنها مزيج من الحياء والجرأة، حياء فتاة تخجل من أول لمسة، وجرأتها حين تمنح قلبها دون خوف.
هبت نسمة قوية، فتطايرت خصلاتي البنية حول وجهي، وأمطرت السماء ببعض القطرات الباردة، كأنها تداعبني.. رفعت وجهي نحوها وأغمضت عيني، وسألت نفسي: ترى، هل يمكن لقلبي أن يحب يومًا؟ أم أنه سيظل محصنًا ضد الخديعة؟ كلا.. إن الحب لا يخدع، إنما يرى في العيون، ويسمع في نبضات القلب، ويعرف بقبلة صادقة تطبعها الروح قبل الشفاه…
وتخيلته… لم أر ملامحه، لكنني شعرت به، كأن يديه امتدت لتحتضن يدي، كأن ذراعيه أحاطتا بخصري برفق، وكأنني انفصلت عن هذا العالم كله، حلقت روحي بعيدًا كفراشة في صباح شتوي صافٍ بعد ليلة ممطرة، رأيتنا نرقص تحت المطر، والنهر يحيط بنا والطبيعة تبارك هذا الحب الوليد، وهمست له، فردد معي بصوته العميق وهو يراقصني:
“أنا قلبي دليلي قاللي هتحبي…
دايمًا يحكيلي وبصدق قلبي…
حبوبي معايا من قبل ما أشوفه…
قلبي دا مراية مرسوم فيها طيفه…
ثم سمعته يناديني: “يا حياتي، تعالي…”
فتحت عيني على قطرات المطر تنهمر بغزارة، وابتسمت… ربما، ذات يوم، سأجد هذا الحلم واقعًا، وسأراه، بعيني، كما رأيته بروحي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة مصرية