أبواب من الصاج

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد صبحي

برد الخيمة في ليل الصحراء لايحتمل

حاول أن يلف نفسه جيداً بالبطانية الميري السوداء ولكنه مازال يرتعد تحتها

أحس فجأة وهو يتقلب بأنه يجب أن يذهب لدورة المياه ..ولكنه تردد

فالخروج في هذا البرد خارج الخيمة مغامرة ليست بالهينة، فالتف حول نفسه لعله يهدأ وتذهب حاجته للخروج

ثم كان أن حزم أمره وقام ببيجامته الكستور ووضع الحذاء الكاوتش وخرج مرة واحدة لخارج الخيمة.

كان الظلام دامسا ..

وهو لم يكن يري في الظلام إلا بصعوبة بالغة ..

فالقمر والنجوم يختفون تحت سحابة غامقة سوداء تحيل الصحراء والمعسكر إلي بقعة أكثر سوادا تلتحم بدون تفاصيل تري.

أتجه ناحية دورات المياه الميدانية المصنوعة من الصاج ومرصوصة كالدواليب المعدنية علي طرف المعسكر الذي أقيم من أسبوعين في هذة المنطقة

الريح شديدة تصفر ولايسمع صوت لمخلوق ..

الكل في المعسكر وبعد تدريبات اليوم الطويلة الشاقة غارق في النوم في هذة الساعة وسط هذا الليل الغميق

والضوضاء التي تحدثها الجراكن الفارغة وهي تقع هنا وهناك

وصرير قوائم الخيم التي تهتز

وخبطات الأبواب الصاجية لدورات المياة يؤرجحها الريح ذهابا وإيابا فتحدث دوياً مزعجا

ويوقع الرعب في هذا الفراغ المظلم من الصحراء

تقدم بسرعة في اتجاه هذة الهياكل المعدنية قاصدا أحد هذه الأبواب التي تخبط الجدران في صوت يختلط بصوت الريح العاصف

كان منكمشا داخل بيجامته من البرد ويرتعد من بين أسنانه وحتي ركبتيه

أطمأن بيده علي وجود بعض الماء في صفيحة صغيرة بعد أن لمست يده سطحه البارد

أغلق الباب وأزاح بنطلون البيجاما ونزل علي حيله وهو متململ وسط ضيق الجدران والرائحة القوية التي تنتشر في المكان

ولم يكن في الخارج إلا صوت الريح الشديدة وضوضاء الجراكن وكراكيب المعسكر وهي تنقلب وتختلط وتنتقل من مكانها

وظل علي حاله حتي انتبه علي أقدام ثقيلة تقترب من بعيد

يبدو أن أحدهم قد تقلق نومه وأحس بنفس الحاجة هو الآخر وغادر خيمته

وأخذت الخطوات تدنو أكثر ناحية الأبواب الصاجية

وماكان منه إلا أن سعل ليسمع بصوته أن أحدا هنا

فما كان من القادم إلا أن دخل الباب المجاور له ببعض الهمهات

وصوت الجدران المعدنية التي تئز تحت وزنه وهو يتحرك داخل الفراغ الصغير

ثم ساد الهدوء

هدوء طويل متصل وكأن من دخل بجواره قد غفي فجأة أو لم يعد له وجود

ومع الهدوء الزائد المقلق بجانبه أحس بالخوف يملأه

فتنبهت كل حواسه وبدأ يتصنت بإذنيه إن كان هناك أحدا بالفعل بجواره خلف هذا الجدار الصاجي

ولم يكن هناك إلا الصمت وصوت الريح

كان يريد أن يجهر بصوت عال بالسؤال.. من هناك.. ولكنه لم يفعل

وأحس بالرعب يشمله من كتفيه وصدره وينسحب حتي أقدامه ويصيبه بشلل متصلب بارد

وبدأ عقله يعيد كل هذه القصص التي يحكونها عن عودة من ماتوا في الحروب المتكررة

ويتندر بها رعاة الغنم من عرب المنطقة

وأحس أنه لم يعد يرغب في قضاء حاجته فقام علي حيله ورفع بنطلونه وخرج بسرعة

ولم يكن متأكدا أن كان قد رأي بجانب عينيه الباب الصاجي المجاور مفتوحا

وبدأ يهرول دون أن ينظر وراءه حتي دخل خيمته

دون أن يفهم ماذا حدث . كان يحس بالخوف والبرد فدخل في سريره

وبقي للحظات يعيد ماحدث في رأسه

ولم يعد واثقا إن كان ماقد مر به هو حقيقة عاشها

أم تهويمات وخيالات لنصف نائم يرتعد من البرد وسط الظلام الدامس في ليل هذة الصحراء

وفي النهاية لم يجد تفسيرا مقنعا

فضم ساقيه وكور جسده

وحرص علي شد الغطاء علي رأسه ليخفي نفسه تماماً تحت البطانية السوداء.

……………

*كاتب مصري يقيم في فرنسا

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون