الأميبا

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

صفاء النجار

كان الأربعاء يومها الأسطوري الذى خلقها فيه الرب،  و كانت حياتها ستتخذ مسارا مختلفا بما لا يلفت انتباه قاصة مثلى أو قراء مثلكم، لولا أن الله رق لحالها قبل أن ينفخ فيها من روحه، عندما رأى وجهها المنتفخ  كوحمة حمراء بعينين جاحظتين وأنف أفطس،  فعاتب الملاك الذى كانت بين يديه ولمسها بيده المباركة، ومنحهاساقين رخاميتين، ومؤخرة مرمرية، وترك الصدر والبطن كما نحتهما الملاك، وسيكون علي البنت حين يتفتح نوار ثدييها أن تؤدى كل صباح تمرين ضغط الكرة للحائط ثلاثين مرة، وتمرين شد البطن عشرين مرة فقط، وكانت هذه التمارين صلاتها الدائمة التي تعبر عن امتنانها العميق للحظات التي يتدخل فيها الرب ليحمينا من عبث الآخرين، وكلما ضاقت بهاالحياة استحضرت هذه اللحظة الفاصلة،  وجاشت روحها بمحبة تغلف الاخرين بطبقة رقيقة تلطف قسوتهم عليها، حتى زوجة أخيها التي تعد أيامها، و تنبهها كل مساء إلى أن يوما قد  مضى و لم يتقدم أحد لخطبتها،وأنهاستخسر الرهان فى النهاية، ويكون عليها أن تكف عن أداء هذه التمارين، ، وتوفر ثمن الجيبات القصيرة الضيقة،  والشرابات النيلون التي تنسل بعد أول لبسة، والبلوزات المكسمة.

كانت البنت التى تغطى شعرها الأجعد بايشارب شيفون  تربط طرفاه خلف رأسها دون أن تداري رقبتها لا تكترث كثيرا لكلام زوجة أخيها، وتدرك بحدسها الذي لا يمدها بشروح كلامية بل بإحساس بالثقة المطلقة أن الرب رغم مشاغله التى لا يمكن أن تستوعبها يدخر لها عينين تبصر فيها معجزته و تقدر وجهها القبيح وجسدها الكامل.

ولم يطل انتظار البنت أكثر من ثمان سنوات بعد حصولها علي ليسانس الآداب قسم اجتماع،ففي أحد أيام الأربعاء المباركةكانت تقدم الحاجه الساقعة لجارتها “أم يحيى” و لسيدة عجوز ستصبح بعد ستة شهور حماتها، تفحصتها الحماة بعينين ناقدتين، وبدا ينحفر أول خط امتعاض ليزاحم خطوط تجاعيدها المتشابكة لكن عروستنا لم تجزع كانت تلتقط الرائحة الاثيرية لمعجزة،  وفعلا ضغطت الجارة على يد الحماة

رجليها و بدنها ما شاء الله.

انتبهت السيدة وأخذت تعيد الفحص،تأكدت معجزة البنت فلمعت عيناها، وقل جحوظهما، وهدأ انتفاخ وجهها، وتجلت صنعة الرب تحت الشراب البيج والجيبة الزيتونية.

 أيام خطبتها كانت أسعد أيامها، وكان الاربعاء الذى تخرج فيه مع خطيبها قادرا على تفتيح زهور زهوها، وانعاش خلاياها فتنشر عطرها الخاص الذى يجمع بين طزاجة الندى وبراءة بودرة التلك، ولم يكن يزعج هناءها غير عبث خطيبها بساقيها أسفل الطرابيزة ووصول أصابعه إلى آخر حدود أستك الشراب وتسللها  إلى جلدها الحى، وحاجتها المستمرة إلى شراء شراب جديد لكل خروجة، ولما حدثته صراحة فى هذا الامر عجل بإتمام الزواج، وفى أخر فسحة لهما نبه عليها أن هذا اخر عهدها بالضيق و المحزق، الآن هى حرة ولكن بعد الزواج سيكون مسئولا عنها ويحاسب على أفعالها، حاولت ان تشرح له معجزتها، لوح لها بدبلتها، فاستسلمت،  وساعدتها زوجة أخيها عتى اختيار العباءات الفضفاضة وما يناسبها من إيشاربات تلتف حول وجهها و تغطى رقبتها.

في مساءاتها كانت تنسحق تحت كرشه الضخم وتنبعج تحته كقطعة عجين تتمدد أطرافها تحت ضغط أصابع فران لا يحب صنعته، فاستوعبت أخيرا أنه لم يكن هناك فائدة من تسابقها مع زميلتها أيهما ترسم الشكل الصحيح للأميبا، فكما قالت المعلمة:

ـ الأميبا ليس لها شكل محدد.

وفى صباحاتها تتدحرج من تحت مخدتها ست حبات من اللؤلؤ الأسود وتظل تبحث عن الحبة السابعة دون أن تجدها.

احتاجت إلى ستة أعوام وطفل كى تدرك أن هناك حبة لؤلؤة سوداء ناقصة، لكن الرب الذى يعلم  تماما ما نحتاجه منحها أربعاء جديدا. فبينما كان زوجها فى عمله وطفلها فى المدرسة وهي عائدة من نشرأحد أدوار الغسيل، لمحت نفسها فى المرأة التى تزين الصالة.. جلبابها البيتي مبتل بالماء وملتصق بجسدها وقد أبرز البلل تلاله وسهوله، ورغم وجهها المجهد والذي زاد التعب احتقانه الاأنها نظرت إلى نفسها بإعجاب حتى أنها وضعت طبق الغسيل جانبا وأخذت تدور حول محورها وهى تستطعم حلاوتها وكادت تتهم نفسها بالخبل لولا أنهاتذكرت عطايا الرب ومحبته.

 في الاسبوع التالى وبينماالجميع يعتقد أن شمس الاربعاء تشرق من جهة الشرق، كانت هناك امراة يملؤها حدس يقينى أن الشمس تشرق من قلبها، وأن ما تصعد إلى كبد السماء الان إنما هى إشراقة  روحها، ولأن الأربعاء كان يوم غسيلها الاسبوعي فلم يفاجأ زوجها بخفتها ولم يستنكر نشاطها وهي تجمع البياضات و ملاية السرير، وانسحب الى عمله متطوعا بتوصيل الولد الى المدرسة بعد تناول الافطار، في هذا الصباح لم تفعل جديدا، فقط أخذت تراقب ما يحدث، فارتدت جلباب الغسيل الأزرق ووضعت الدور الاولـ غيارات زوجها الداخليةـ وقبل أن تضغط على مفتاح تشغيل الغسالة نشفت يدها فى جلبابها سامحة للماء أن يبل جلبابها بعفوية ومهارة دون جوان يعرف جيدا المواطن التى عليه لمسها، وبحذق مثال ينحت قطعته الفنية الاخيرة. عادة ما يبدأ الماء بتخطيط اسكتشه عندما تعصر ملاءة السرير الثقيلة..  تلتقط أحد أطرافها من الماء.. ،تعصره.. ،تسحبه ببطء.. تلفه حول ذراعها.. تصل الى الطرف الغارق في الماء .. يستقر جزء من الملاءة على كتفها الأيمن.. تلويها ككتلة واحدة.. تتحكم فى عصرها لتتساقط آخر ما بها من قطرات على الجلباب الازرق، تضعها فى البانيو تفرشها فى مياهه..  تضغطها للتخلص من باقى مسحوق الغسيل.. تنتهي من العصرة الاخيرة،حينها يكون الماء قد حدد الخطوط الاساسية لتمثاله.. بلل كبير يمتد من صدرها الى أسفل سرتها، ومع كل دور من الغسيل تزداد مهارة الماء فى نحت تفاصيلها، ويزداد الجلباب الازرق التصاقا بها، أحيانا كثيرة تتواطأ هى مع الماء كى يسرع فى ابراز تحفته فتسقط على مؤخرتها وهى تشطف الغسيل أو تزهره، وتعيد مسح يديها المبلولة فى جلبابها قبل أن تضغط على مفتاح تشغيل الغسالة .

وبحدسها الذى لا يخذلها تصوب نظرة الى المرآة فى الوقت المناسب.. ثدييها نافرين.. حلمتهما بارزة دون أثر لرضاعة عامين، بطنها قاع محارة تكتنز لؤلؤها، ساقيها ومؤخرتها كما باركتهم يدالرب، ترتجف خلاياها، تشكرخالقها على عطاياه، و دون أن تكترث لنظرات الجارات المستنكرة أو العيون المتلصصة تخرج لتنشر غسيلها بجلبابها المبلول على اللحم، عندما تنتهى تغلق الشرفة.. تطفئالاضاءة.. تخلع جلبابها….تسترجع صورتها.. وحدها مع جسدها…يتبادلان حديثا سريا حميما يجعلها تتحمل باقى أيام الاسبوع حتى يأتى يوم الاربعاء.

 

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون