استدارة .. من مجموعة “دوائر زرقاء وبنفسجية”

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

قلقت يومها، وعجزت عن النوم، الذي طوى الجميع بما فيهم توأمي التي لا تفارقني.. خرجت من حجرتي وتوجهت إلى غرفة أمي. وجدت الباب موصدًا. فترددت في طرق الباب, سمعت قلبي وهو يخفق بشدة.. حتى أني اضطررت لرفع كفي الصغير وتثبيته على صدري في محاولة مني لإمساك هذا الكائن الصغير الذي ينتفض من الخوف بالداخل.

كان دخول هذه الغرفة بالنهار أمرًا عاديا.. حيث يظل الباب مفتوحا, وحتى لو أوصدته أمي, يظل بوسعي أن أدير المقبض وأدفع الباب بقدمي وأدلف إلى الحجرة بمنتهى السهولة. بينما أثناء الليل وبالأدق بعد عودة أبي من العمل يصبح محرما علينا مجرد لمس الباب أو محاولة اللعب بالمقبض.

وبينما كنتُ أحاول تثبيت قلبي بكفي لكي أهديء قليلا من روعه. جاءني الصوت قويا وغليظا من الداخل.

ـ اخلعي ملابسك

ارتعبت وعجزت لعدة دقائق عن إيقاف ارتجافات أوصالي  حتى بعدما أدركت أن تلك الكلمات السيئة والمحرجة لم تكن موجهة لي

تنفست الصعداء، وضغطت بقوة أكبر على صدري كي أعيد تثبيت قلبي انخلع حرفيا من مكانه. تأكدت أن الصوت لا يخص أبي وبالتالي تلك المسكينة الموجودة بالداخل ليست أمي. حينها بدأت أهدأ, وتذكرت أن عمتي صفية قد جاءت ليلة أمس وتركت لها أمي غرفتها لتبيت فيها هي وزوجها.. أدركتُ حجم التنازل الذي قامت به أمي لتقضي ليلتها في غرفة الضيوف الحارة خاصة أننا كنا في شهر أغسطس, ولكن على كل حال فإن العرق أو الحر الذي سيقلق منامها سيظل أهون بكثير مما تلاقيه عمتي المسكينة بالداخل.

لم أستطع الانصراف, وكأن أحدهم ألصق قدمي بالأرض.. تكومت جوار الباب وألصقت سمعي أكثر. تخلصت المسكينة غالبا من ملابسها كما فهمت  من الصوت الذي ظهر غاضبًا من جديد

ـ استديري ..

سادت فترة من الصمت قبل أن يعيد على سمعها نفس الكلمة

ـ استديري .. قلت

تخيلتها وهي تدور وتلف في الحجرة بخفة, كنت أكِّنُ لعمتي حبا كبيرا. وأشعر بالزهو كلما شبهوني بها. لكني أفقت على صوت خروشة وكأنه قام منتفضًا من مكانه وانقض عليها

ـ أترين؟ أترين كم أنتِ قبيحة ومقززة؟.

ظل يعيد ويكرر وصفه المؤذي لها، بينما أنا وهي غارقتان في الدموع ومقيدتان بالصمت التام. تخيلتُ المشهد فجأة كأنهما حاضريْن أمامي دون عوائق, هي ظهرها الأملس ومؤخرتها المرتفعة في مواجهة الباب بينما هو جالس على السرير بملابسه الداخلية البالية والمهترئة كعادة الرجال.

سمعت فجأة صوت ارتطامها بالفراش .. كأنها سقطت وعلى الأغلب سقط هو فوقها

ساد صمت طويل تمنيت ألا ينتهي وألا تخترقه همهماتهم الخافتة التي انتهت بصوت شخيره العالي وانقطاع صوتها هي. حين انتظم إيقاع شخيره وتأكدت من نومه, بدأت تنوح. سمعتها جيدا رغم محاولاتها القوية لكتم بكائها الذي استمر حتى أذان الفجر.

في الصباح كانت عمتي تساعد أمي في إعداد الإفطار.. جهزتا الطعام ووضعتاه بنظام فوق المائدة قبل أن تناديا علينا لتناوله.. حاولتُ أن أحيد بنظري عنها وألا تصطدم عيني بعينها كلما خاطبتني.. لم أكن ناقمة عليها بقدر ما شعرتُ بالخزي لأجلها, تخيلتُ أنها ربما رأتني وأنا أتنصت عليها على الرغم من تأكدي من استحالة ذلك.

من بعد تلك الحادثة, صرت أتحاشى النظر إلى المرآة بينما أغير ملابسي, وإذا ما وقعت عيني على أي جزء مكشوف من جسدي في المرآة أدرت عيني سريعا كي لا أرى المزيد, لسنوات طويلة كلما أغمضت عيني رأيت مؤخرة عمتي وهي تستدير إذعانا لأمر زوجها. لسنوات وأنا أخاف من مجرد النظر إلى روحي, أخشى الاقتراب من جسدي ومحاولة التعرف عليه.. فقامت العلاقة فيما على التجاهل.

أنا لا أريد أن أتعرى أمامك أبدا, لا أريدك أن تكرهني. أريدك أن تعيش مع امرأة أخرى جميلة وتستحقك.

أنا لا أريدك أن تطلب مني أبدا يا عليّ أن أستدير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صادرة عن العيئة المصرية العامة للكتاب 2025

مقالات من نفس القسم

تراب الحكايات
موقع الكتابة

سلم خشب

عبد الرحمن أقريش
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

ألم