محمود فهمي
رأيتنى ميتًا فوق شاطئ لا أعرفه، كنت ممدداً بملابسى الرسمية كاملة، مر صبية يصخبون ويضحكون إلى جوارى، نظروا إلى، لم يتساءلوا فيما بينهم من أكون ومن أين جئت كأننى لا شيء، جلس أحدهم إلى جوارى ذلك الذى كان يرتدى سروالًا قصيرًا وقميصًا ذا أكمام قصيرة ويمسك فى إحدى يديه طائرة ورقية بألوان زاهية لكنها دون خيط، انغرست ركبتاه فى الرمال، مد يده وفك ربطة عنقى.
حين اقترب منى أحسست أننى أعرفه، مرت أنفاسه فوق وجهى، أعرف صوت تنفسه، سمعته من قبل فى لحظات خوف وفرح ولعب، نعم أعرفه لكن لا يمكننى تذكر من هو، ربط طرف ربطة العنق بالطائرة أمسك طرفها العريض وبدأ فى الجرى، جرى بقية الصبية خلفه، تحولت ربطة العنق إلى خيط أخذ يزداد طولًا ويأخذ الطائرة إلى أعلى حتى اختفت فى سماء غائمة، تركونى تحت وابل من مطر تساقط من غيمة خدشتها ضحكاتهم وطائرة انقطع خيطها لكنها ارتفعت بدلًا من السقوط، حين تذكرت من هو وبدأت فى النداء عليه كان قد ابتعد ولم يعد يمكنه سماع صوتى، عرفته، لقد كان أنا حين كنت فى التاسعة.