مرثية مبهجة

مرثية مبهجة
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

صافي ناز كاظم

علاء خالد شاعر، لا أعرف الكثير عنه ،يكفيني معرفة سنة ميلاده 1960،  سكندري متزوج من فنانة رسامة اسمها سلوى رشاد، ليس لديهما أبناء وعندما قلت له: أحسن! سألني: لماذا؟ فقلت: حتى لا تتألم من القلق عليهم ومن الغضب منهم ومن نفسك لأنك تسامحهم على الدوام، وكان هذا قبل أن أقرأ "تصبحين على خير": مرثيته المبهجة لأمه التي رحلت وهو في الخامســة والأربعين.

أنا لا أقيد الشعر بإطار شكلي أو تعريفي، لا أصفه ولا أدون لأحد سكة الإتصال به، أعرفه على الفورمهما اختلفت ملابسه، وأحتفي به قديما وجديدا ومتجددا، غنائيا متراقصا، ورصينا متخوشنا، يتباين، يتناقض، لايهم  الأهم : أن ألقاه شعرا ولا يسألني أحد كيف أعرفه فأنا أعرفه على الفور ولا أدرك: كيف؟

هذا ماحدث بالتمام مع مرثية:  “تصبحين على خير”، كنت أحايل نفسي، بشراب القرفة باللبن ثم بالنعناع مع الشاي الأخضر، طالبة تخفيض ضغطي الذي تصاعد بعد ركاكة مروعة داهمتني في صفحة أولى لجريدة صباحية.

متهيبة قرأت الصفحة الأخيرة:  “في آخر كل حزن فرح في آخر كل موت حياة نعم تصبحين على خير.” قلت لنفسي: صحيح في آخر كل موت حياة لكن من يضمن الفرح؟

دخلت البداية متشجعة: “بروح شابة تنظرين إلى يدك المسنة بدهشة كأنها ليست لك وأن هذه التجاعيد تخص امرأة أخري، أفنت نور يديها في غسيل الملابس والصحون. يد عمياء تتحسس طريقها إلى التراب قبل العملية بقليل نزعت خاتمك وابتسمت كموظف يستريح بعد أن يسلم آخر عهدة له.”

لقطات تتتالى، خطوات رشيقة في حديقة الحزن الأخضر. يأسرني خفوت نواحها. تدمع عيناي رغم رسم ابتسامة عريضة.

أيجوز لي أن أكسر إيقاع التوليف الراسم للملامح العزيزة درءا للإضمحلال؟  أجذب : “كل مساء، ولساعات متأخرة من الليل تظلين ساهرة تحتفلين بقطع أواصر المحبة مع الماضي تحولين صورك النادرة إلى آلاف المزق الصغيرة المبعثرة على السرير تكسرين الأحجار الكبيرة للذكرى وتحولينها إلى تراب لم يبق دليل على حياة كنت أحد أبطالها لا أعرف أي مخبر سري كنت تتوقعين ظهوره بعد موتك ليقيم الحجة عليك.”

قصيد طويل سحبني معه إلى شاطئ الطيبة يطعمني فاكهة فواكه الآلام :”كان بيتنا حزينا ولكنه حزن شفيف لايورث كان نصيبك فائقا منه بموتك، انحسر هذا الحزن وأصبح كندبة وردية لحرق قديم كوسام من ماض غير قابل للتكرار.”

حملت المرثية بيدي ووضعتها بإحترام واجب عند رف بمكتبتي قريب شاكرة لها صنيعها في مداواتي، وعند النظرة المودعة تأكدت أن غلافها جزء لا يتجزأ من صوتها الناطق من تحت الشباك: “تصبحين على خير“.

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم