والحقيقة أن الفيلم لا يحمل فى طياته ما يسئ لأى من المقدسات أو العقائد السماوية ولكنه أحد تلك الأفلام المثيرة للجدل التى تقدم تصوراً جديداً فى رحلة تنطلق من الحياة الدنيا إلى الآخرة يرتدى خلالها الفيلم ثياب الفانتازيا ويتنقل عبر الواقع المعاش إلى العالم الأخر من خلال جسر الأحلام . والعالم الذى رسمه نادر صلاح الدين فى “حلم عزيز” يقدم رؤية غير معقدة صاغها عمرو عرفة بصرياً بحرفية وبراعة تجعلها جديدة على السينما المصرية لاعتماده بشكل كبير على تقنيات فن الجرافيك التى تستخدمها السينما المصرية فى أضيق الحدود وبشكل لا ينم عن احتراف.
تبدو الصورة ناعمة ومبهرة إلى حد كبير سواء فى هذه الحياة أو فى مشاهد العالم الأخر التى صاغها عمرو عرفة بعدسة مدير التصوير وائل درويش وتتناغم معها موسيقى محمود طلعت ولكن ما يؤخذ علي هذه المنطقة أنها قدمت صورة هوليوودية للجحيم الذى لا يزيد عن هوة من الحمم فوقها ممرات ضيقه تعبر عن “الصراط” بالمفهوم الاسلامى ويعبره أشخاص تنهال عليهم كرات نارية أشبه بنيازك ، ناهيك عن فكرة لوكيشن الجنة المحيط بالباب ذو السلالم الثلاثين المستلهم من جبال “باندورا المعلقة” التى أبتكرها جيمس كاميرون فى رائعته “أفاتار” قبل ثلاثة أعوام.
و”حلم عزيز” كفيلم قد يكون مختلف عن النوعيات المقدمة ولكنه يتلاقى معها فى كونه فيلم كوميدى يسعى للإضحاك حتى لو استخدم شخصيات افترض أنها ستذهب إلى الجحيم مثل “القذافى ، وهتلر ، وجولدا مائير وموشى دايان” هذا إلى جانب ما يحمله من شعارات مباشرة تتعلق بالثواب والعقاب كمدخل مختلف للسيناريو الذى حمل العديد من المبالغات خاصة فى تحول الشخصية الرئيسية التى جسدها أحمد عز بخفة دم ولكنه إقترب بها كثيراً من شخصيته فى فيلمه السابق “365 يوم سعادة” من حيث الأداء التمثيلى الذى يحاول من خلاله التأكيد على موهبته ككوميديان.
أما من حيث البناء فقد عانت الشخصية أزمة تتمثل فى الاستجابة السريعة للأحلام التى تنذرها بالموت وضرورة التطهر وهى الأزمة التى واجهها صلاح عبد الله -أحد ضحايا “عزيز”- الذى بدت شخصيته كدرويش يهيم فى فضاء الحب الإلهى ولكنه تحول إلى مراهق غارق فى ملذاته بعد أن سامحه مقابل بضعة ملايين والضحية الثانية هو محمد الصاوى الذى قدم دور شرف لم يحرك الدراما إلا بمساعدة والدته إنعام سالوسه التى ساهمت فى نقله تجاوزها نادر صلاح الدين سريعاً أما الضحية الثالثة التى جسدتها حورية فرغلى فكان التحول فيها غير مبرر خاصة مع إصرار الشخصية على عدم مسامحة عزيز على جرمة بحقها ثم تراجعها عن موقفها لمجرد إقدامه على رعاية الأيتام رغم انه يفعل ما يفعله لغرض هى تعلمه جيداً ، وهذه الحلول السهلة أثرت بشكل كبير على إيقاع العمل الذى حاول المونتير معتز الكاتب الحفاظ عليه.
وعلى مستوى الأداء التمثيلى يحلق شريف منير خارج السرب ويستعرض عضلاته كممثل قادر على أداء شخصية الأب وعشرات الشخصيات الثانوية التى تنقل بينها برصانة واتزان ليؤكد على قدراته المختزنة التى أطلق عمرو عرفة بعضاً منها وعلى العكس منه تقف مى كساب فى نفس الإطار الذى لم تخرج منه منذ بدايتها السينمائية والذى لا يزيد عن صراخ ونبره عاليه تخلص منها محمد عادل إمام فى دوره ولكنه تذبذب قبل أن يمسك بزمام الشخصية التى تحسب له كما أضفى حضور سليمان عيد بسمه لطيفه على العمل الذى قدم وجوهاً متميزة مثل ميريت فى دور الزوجة ورانيا منصور فى دور الشقيقة ومحمد على فى دور الموظف إلى جانب حضور على كمالو فى شخصية الدرويش أو خادم الحضرة . ولا شك أن ضيوف الشرف صلاح عبد الله ومحمد الصاوى وحورية فرغلى ومحمود عبد الغفار ويوسف عيد يمثلون إضافة للعمل إلى جانب الظهور الخاص لأحمد رزق فى دور سائق الميكروباص ومنه شلبى فى دور الأم التى كشفت الخدعة التى تعرض لها عزيز فى نهاية الفيلم.
ويمكن أن نجزم أن تجربة ” حلم عزيز ” التى حملت توقيع مخرج كعمرو عرفة تفتح أفاقاً جديدة للإنتاج السينمائى المصرى ففى الوقت الذى تقف فيه السينما التجارية داخل مربع الكوميديا والأكشن الردئ الصنع تأتى هذه التجربة وترفع الحرج عن الكيانات الإنتاجية الكبيرة التى توارت عقب الأزمة المالية العالمية وهبوب رياح الربيع العربى ، فالفيلم جيد الصنع ويبشر بولادة لون غير مبتكر ولكنه جديد كلياً على السينما المصرية التى تحتاج لتطويع الكثير من التقنيات والنوعيات التى يدير لها معظم المخرجين والمنتجين ظهورهم لعدم خبرتهم فى التعامل معها أو لتكلفتها العالية بالنسبة لنظريات الإنتاج المصرى التى تطبيق المثل الشعبى “الشاطرة تغزل برجل حمار” بغض النظر عن النتيجة التى لا تهم مع الإعتماد على النجوم كعامل جذب لسينما بلا جمهور حقيقى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محـمـد شــكـر
ناقد سينمائى – مصر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خاص الكتابة
