يوم الإثنين ..مرةً أخرى

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
سوزانا تامارو ترجمة أماني فوزي حبشي مفكرتي العزيزة، ها هو ذا يوم الاثنين، مرة أخرى.

 اليوم هو أول يوم خريف حقيقي: توجد رياح وأوراق الأشجار، التي تحوَّل لونها أخيرًا للأصفر، تطير في الهواء. حسب التقويم كان لا بد أن يبدأ الخريف قبل اليوم بكثير، ولكن بسبب تلك الثقوب في الجو لم يعد المرء واثقًا من أي شيء، ولا حتى من انتظام فصول السنة. تُرى كيف سيكون الحال في المستقبل؟ كل فترة أتساءل. أفكر، بالطبع، في دوري الصغيرة وليس في نفسي أو في جيف. وبالمناسبة، اليوم تمر ستة أعوام تمامًا على وجودها معنا. لم أتذكر هذا الأمر بنفسي، ولكن تذكّرَته مساعدتي في دار النشر. لقد أرادت بكل الطرق أن أشرب معها في البار كأسًا من النبيذ البارد الفوار. فقط عندما وقفت وهي تقول: في صحة طفلتك الصغيرة! فهمت عما كانت تتحدث. آه إنها بالفعل ذكرى ذلك اليوم! شيء كعيد ميلاد آخر بالنسبة إليها. اليوم الذي فيه وُلدت واليوم الذي تبنيناها فيه. أتذكر تمامًا انفعالي أنا وجيف. لم يكُن معروفًا أين وُلدت ولا متى؛ كان أحد حراس الليل قد وجدها في صندوق للقمامة. كانت بشرتها بيضاء، ربما من أصول إسبانية. ولكن لو كانت صفراء أو سوداء كان الأمر سيكون سواءً بالنسبة إلينا. منذ اللحظة التي تأكدنا فيها من استحالة الإنجاب لم نكُن نتمنى شيئًا آخر. بمجرد أن خرجنا من المؤسسة، قال جيف وهو يحتضنها بين ذراعيه صارخًا: في القمامة! تبدو كأنها قصة خيالية من تلك التي تنشرينها أنتِ!

إنها بالفعل قصة خيالية! تمامًا مثل تلك التي كنا نتحدث عنها اليوم في اجتماع النشر. علينا أن نفتح سلسلة جديدة للأطفال من أعمار بين سنوات وعشر. ترى لوري، شريكتي، أنها اللحظة التي لا بد فيها أن ننتج قصصًا مرعبة. إن هذا ما يريده الأطفال: الوحوش والساحرات والعمالقة ذوي اللعاب السائل، زوج الأم البشع وآكلي لحوم البشر. وأنا بطبيعة الحال أرى عكس هذا، أعتقد أننا لا بد أن نقدم الأفضل للأطفال، أن نجعلهم يحلمون: إنهم غاية في الرقة والضعف، وخيالهم خصب.

في المساء خرجت أنا وجيف للعشاء، أخذني إلى ذلك المطعم الإيطالي الصغير الذي ذهبنا إليه عقب زواجنا. لم يُشر إلى عيد ميلاد دوري، ولكنني شبه متأكدة أنه دعاني للخروج للاحتفال بهذه المناسبة. جيف شخص كتوم، ولكنه شخص مرهف المشاعر جدًّا. كثيرًا جدًّا قبل أن أخلد للنوم أتساءل كيف كانت ستكون حياتي دونه. لا أعرف إجابة عن هذا السؤال، إلا أنني سعيدة هكذا، ماذا سيهمني من معرفة الإجابة؟

ملحوظة: في أثناء عودتنا إلى المنزل تعرقلت على السلالم. لا أعرف كيف حدث هذا، إلا أنه كان بالتأكيد شيئًا غريبًا وأنا أرى نفسي أتدحرج مثل جوال البطاطس. شعر جيف بالقلق، ولكنني قمت وقلت له: “لم يحدث شيء خطير”. عندئذٍ أخذنا نضحك من قلبينا.

 مذكرتي العزيزة، بالأمس كنت متفائلة جدًّا برد فعلي من حادثة الوقوع. في الواقع، هذا الصباح، عندما استيقظت أدركت أنني أشعر بألم في كل أنحاء جسدي. وفي الحمام عندما نظرت إلى نفسي في المرآة، كانت المفاجأة، لقد وجدت إحدى عينَيّ وقد أحاط بها اللونان الأسود والبنفسجي، كأن أحدهم قد ضربني بقبضته في عيني.

لم يكُن جيف بجواري، كان قد خرج. إن عمله يستهلكه تمامًا حتى إنني أتساءل أحيانًا من أين يجد القوة ليستمر.

على كل حال، قررت اليوم ألا أذهب إلى دار النشر، سأستمتع بيوم في المنزل مع الصغيرة دوري. الأمطار تهبط بغزارة في الخارج، وعندما تعود من المدرسة سنتدثر أسفل الأغطية وسأحكي لها حكايات حتى وقت العشاء. هي كالعادة تريد الاستماع إلى قصص عقلة الإصبع وذو اللحية الزرقاء، وأنا، كما يحدث عادةً، سأحاول أن أقص عليها قصة سندريللا. توجد في نظرات الصغيرة سحابة لا تعجبني، سحابة أنجح عادةً في القضاء عليها بحكاياتي، بعذوبة الإقناع.

 الساعة الآن العاشرة مساءً. قضينا الظهيرة كما خططت لها، في الفراش نشاهد الأمطار وهي تسقط ونقص الحكايات، واستيقظنا في الخامسة تقريبًا. كان لا بد أن تكتب دوري واجب التعبير، عن موضوع “أبي”. على الرغم من أنها لا تجد أي صعوبة في الكتابة فإنها في هذه المرة أخذت تنظر إليّ بضياع وهي ترفع القلم في الهواء أمام الورقة البيضاء، وهكذا ساعدتها. قلت لها: أنا أفهم لماذا لا تعرفين ماذا تكتبين، فإن أباكِ شخص رائع جدًّا ومن الصعب العثور على موضوع لتبدأي منه! واقترحت عليها بعد ذلك أن تكتب أنه يعمل كمحامٍ، وأنه يدافع دائمًا عن الفقراء مثل روبين هود بشكل ما: فهو طويل القامة، وقوي، قوي جدًّا حتى إنه يمكنه أن يخنق فيلًا مستخدمًا فقط إصبعيه، ويرفعنا نحن الاثنتين فوق درابزين الشرفة بلا أي مجهود، كأننا ورقتان. عندئذٍ انتصرت على ترددها، وبدأت تكتب، وأخذت تكتب لمدة ساعة بأكملها، وهي في غاية التركيز والانتباه.

لم يأتِ جيف في هذا المساء إلى البيت، إن العمل يبتلعه تمامًا أحيانًا إلى حد أنه لا يجد الوقت ليحدثني هاتفيًا. ومن ناحية أخرى لم يكُن هناك عشاء هذا المساء. أراد جيف أن يبدأ نوعًا جديدًا من النظام الغذائي، بأن نتناول العشاء مرة واليوم التالي نشرب فقط الماء المغلي، وهو علاج كاليفورني. يقول جيف إنه يساعد على جعل الأفكار خفيفة. هذه حقيقة، بعد أسبوع أشعر بالفعل بأنني أفضل. فمع كل تلك القاذورات الموجودة في الهواء والتي نأكلها من الضروري جدًّا القيام بنوع من التنظيف الداخلي، لننظف من الداخل في النفس وفي الجسد. هذا هو برنامجه. اعترضت الصغيرة دوري بعض الشيء، كانت تريد أكل الكورن فليكس باللبن وليس بالماء المغلي، ولكنني شرحت لها بهدوء أن أباها يعرف الأفضل لنا. اقتنعت بسرعة، وشربت المياه الساخنة وهي تنفخ لتبردها كأنها تشرب الحساء الساخن. بمجرد أن انتهت وضعتها في الفراش، ومن بين الأغطية، ومثل كل ليلة بحثت على الفور عن دبها الصغير وضمته بقوة إلى صدرها.

وبينما أخرج من الغرفة طلبت مني إغلاق الباب بالمفتاح. قلت لها إن الباب الوحيد الذي نغلقه بالمفتاح هو باب المنزل! وكالعادة تركت باب غرفتها مفتوحًا وتركت نور الردهة مفتوحًا لينير لها الغرفة. كنت أتوقع هذا، في هذه السن من الوارد جدًّا التعرض للخوف في الليل، فهو شيء معتاد. لهذا السبب لا بد أن نطمئنهم، وأن نقدم لهم النور حيث يوجد الظلام. وعلى الفور أدت الحيلة دورها ونامت دوري تقريبًا على الفور دون أن تطرح أي أسئلة أخرى.

في الصالون أخذت أشتغل كروشيه إلى ما بعد منتصف الليل. فأنا أشغل كنزة صوفية مفتوحة ذات أزرار من الأمام. اللون هو لونها المفضل: الأخضر. على الجانب الأيسر سأخيط جيبين سأضع فوقهما صورة للشمس وأخرى لقوس قزح.

 يومياتي العزيزة، اليوم عدت إلى دار النشر. في التاسعة كان لدينا اجتماع لمناقشة تلك السلسلة المشهورة. تصر لوري على أفكارها، وأنا لم أتنازل عن أفكاري. مساء أمس، قبل أن أدخل غرفتي لأنام، ذهبت لأطمئن على نوم دوري ووجدتها تنام مثل الجرو المتعب، سعيدة وهي تمسك بدبها الصغير. وهكذا بهذه الصورة في ذهني، شرحت للوري أنه، نظرًا لأنها ليست لديها أطفال، فهناك أشياء يصعب عليها فهمها. لا يمكننا أن نسبب لهم اضطرابًا بقصص غريبة عن الوحوش. اختبأتْ على الفور خلف ابتسامة محايدة ولم تجبني، فقط في وقت لاحق، في نهاية الاجتماع، اقتربت مني وبصوت منخفض سألتني ماذا حدث لعيني.

أجبتها وقلت لها الحقيقة أنني وقعت على السلم. عندئذٍ رفعت كتفيها وقالت لي بدهشة: ألا يحدث هذا لكِ كثيرًا في الفترة الأخيرة؟ هل تعانين من مشكلة ما في الأذن الوسطى؟

أصرت لفترة طويلة بعد ذلك على أن تعطيني عنوان أحد المتخصصين في مراكز التوازن والذي ساعد إحدى صديقاتها. في النهاية أخذت منها كارت الطبيب حيث كُتب رقم الهاتف، ودون أن أنظر إليه وضعته في حقيبة يدي مع الأوراق الأخرى.

بعد الغداء تركت دار النشر في الساعة الثالثة. هاتفتني معلمة دوري الجديدة وطلبت أن تقابلني. لا أشعر كثيرًا بالقلق. أعرف بالفعل ماذا تريد أن تقول لي، فالطفلة نحيفة، ضعيفة التركيز وهزيلة. ليست المرة الأولى التي تستدعيني فيها إحدى المدرسات. كررت لتلك المدرسة ما سبق وشرحته للمدرسات الأخريات: نحن لا نعرف كيف جاءت إلى العالم، وقد قضت الساعات الأولى من حياتها في وسط القمامة، في أصعب ظروف ممكنة. ويمكن أن نفهم بالتالي أنها ليست مثل الأطفال الآخرين. وانتهى اللقاء وقد تصادقنا، وفي أثناء وداعي سألتني إذا كنت قد أصبت في حادثة سيارة، فأخبرتها أنه بالنسبة للشخص الذي يعاني من ضغط الدم المنخفض من الصعب أن يرى في الصباح أواني المطبخ، حتى ولو كانت في مكانها المعتاد. وضحكنا. هي أيضًا تعاني من حالات دوار بسبب الضغط.

في الطريق من المدرسة إلى المنزل، كانت دوري تسير ممسكة بيدي وهي تنظر إلى الأرض. عندئذٍ قلت لها: لديكِ حق، أنا أيضًا في سنك كنت أفعل الشيء نفسه، لا يوجد شيء أجمل من مشاهدة أوراق الشجر الصفراء الملقاة على الطريق.

كان جيف قد عاد إلى المنزل. كان ممدًا على الفراش وهو ما زال ينتعل حذاءه ويرتدي سترته. كانت الستائر مسدلة والأنوار مطفأة. أدركت على الفور أنها إحدى نوبات الصداع التي تهاجمه من شدة الضغط في العمل. وحتى لا أزعجه، ودون أن أضيء الأنوار، وضعت دوري على الفور في فراشها ولحقت به في حجرتنا. من حين إلى آخر يكون من الأفضل الذهاب إلى النوم ظهرًا بدلًا من النوم مساءً.

في منتصف الليل فجأة، جاءت دوري إلى غرفتنا وهي ممسكة بدبها في يدها، في البداية تحدثت بصوت خفيض، ثم بصوت أعلى وقالت إنها تشعر بالجوع الشديد. في البداية تجاهلناها: لا يجب الاستجابة والضعف أمام كل نزواتهم! ثم، ونظرًا لإصرارها الشديد، طلب منها جيف أن تكف عن هذا وأن تعود إلى فراشها، نظرًا لأن عديدًا من الأطفال في العالم يتضورون جوعًا أكثر منها! ولكن دوري لم تتحرك خطوة واحدة، فقد كانت عنيدة، عندما تضع شيئًا في رأسها لا تتنازل. عندئذٍ قام جيف بإبعاد الغطاء بسرعة، ونهض وذهب إليها، أخذها من ذراعها وقادها إلى المطبخ ثم مرة أخرى إلى حجرة نومها. إن جيف لمعجزة حقيقية: حتى وهو في غاية التعب يجد دائمًا فتات القوى التي بها يمكنه أن يجيب مطالب من يحب. لا بد أنه مكث في الخارج طويلًا، لأنه عندما عاد، كنت أنا قد استغرقت في النوم. التفتّ نحوه ومنحته قبلة، ثم لم أستطع العودة إلى النوم بسهولة، في نهاية الدهليز كانت هناك قطة تبكي مثل الطفل.

 

اليوم الجمعة يا يومياتي العزيزة! انتهى أسبوع آخر! خلال بضعة أيام سيحل الشتاء مكان الخريف. الآن لا يمكن الخروج بلا قبعة وبلا قفازات إذ يخاطر المرء بأن يصاب بنزلة شعبية. هذا الصباح استيقظت دوري في حالة سيئة، لم تكُن تريد الاستيقاظ، لم تكُن تريد الإفطار ولا وضع الكوفية والقفازات، وبمجرد أن خرجنا إلى الطريق لم تكُن تريد السير، كانت تقول إنها تشعر بالألم في إحدى رجليها. بالتأكيد الأمر لا يتعدى اختلاق عذر ما حتى لا تذهب إلى المدرسة. عندئذٍ، وبصبر، حكيت لها قصة “الذئب، الذئب”، وأنه لا بد ألا نتظاهر بالمرض لأننا في يوم من الأيام سنمرض بالفعل، وأنها لا بد أن تفكر في كل الأطفال الأقل حظًا منها، على الأقل هي تتمتع بذراعيها ورجليها.

لا بد أن حديثي أثّر فيها بشدة: بدأت تسير بسرعة إلى المدرسة أمامي ورأسها منخفض. وفي اللحظة التي قبّلتها فيها عند مدخل المدرسة كانت عيناها لامعتين، وعندئذٍ أدركت أنها كانت تبكي. يا لها من طفلة حساسة! تكفي بضع كلمات بالطريقة المناسبة لتدرك كل شيء.

في دار النشر ولأنهي المجادلات، قمت بحركة مفاجئة وقلت إنني سأكتب الكتاب الأول للسلسلة الجديدة. لم تُظهر لوري مقاومة شديدة، وأيضًا باقي أعضاء اللجنة. على كل الأحوال النتيجة النهائية ستخضع لحكمهم. في إجازة نهاية الأسبوع لن يكون لدي الوقت للراحة: بالإضافة إلى التفكير في الحدوتة (إذ أريد الانتهاء منها في أسرع وقت) لا بد أيضًا أن أنتهي من الكنزة الخضراء لدوري.

 مر يوما السبت والأحد بسرعة شديدة، كالمعتاد. يوم السبت كان مشمسًا فقررنا أنا وجيف أن نقوم برحلة في الريف. كان الهواء باردًا ولاسعًا. لا تحب دوري الذهاب في السيارة، لم ترغب في الخروج. كانت تبكي. وهكذا، في منتصف الطريق، أوقف جيف السيارة، أنزلها واقترح عليها نظرًا لأنها تحب الكلاب كثيرًا، أن تركب في الصندوق الخلفي للسيارة. أغلق عليها، واستمرت الرحلة في هدوء، ومن حين إلى آخر ونحن نتحدث، كنا نسمع من صندوق السيارة صوتًا كأنه نباح قوي مكتوم. كنا نضحك، كم كانت الصغيرة خفيفة الظل، كانت تتظاهر بأنها كلب بالفعل.

تناولنا الغداء في مطعم ريفي. قلت لجيف عن فكرتي بأن أكتب أول كتاب في السلسلة، تحمس جدًّا، وقال لي إنه بدلًا من الخوض في الخيال يمكنني أن أكتب عن قصة دوري الحقيقية. إنها بالفعل فكرة رائعة: فقصتها بالفعل قصة ذات نهاية سعيدة. حدوتة حقيقية.

يوم الأحد ساء الطقس مرة أخرى. خرج جيف في الصباح الباكر، لا يوجد شيء يمكنه أن يمنعه من أداء واجبه. استيقظت دوري تقريبًا في وقت الغداء، وهكذا قضيت صباحي كله أعمل على مكتبي. في الظهيرة أعطيت دوري كراسًا أبيض صغيرًا وطلبت منها أن تساعدني على تأليف حدوتة. لم تقل أي شيء، فقط أخذت القلم وجلست في إحدى الزوايا. وبينما كانت هي تكتب كالجرو الصغير، كنت أعمل أنا على حياكة البلوفر. في خلال أسبوع سيكون جاهزًا. قبل العشاء بقليل حدثت بيننا مناوشة صغيرة، فأنا أريد أن أقيس طول الذراع وهي رفضت. لم ترفض بطريقة صاخبة، فقط عندما ناديت عليها لأقيس طول الذراع كانت بدلًا من إعطائي ذراعها تعطيني ذراع الدمية. عندئذٍ قلت لها إنه بمجرد أن أنتهي من شغل هذا البلوفر سأطرز واحدًا آخر مماثلًا لدميتها. عندئذٍ فقط مدت لي يدها الصغيرة ووافقت على ارتدائه.

لم يحضر جيف للعشاء. وهذا المساء كان موعد العشاء بلا طعام، فقط المياه المغلية. شربتها دوري وهي تقول إن لها نكهة النعناع. وعندما كانت أسفل الأغطية ذكّرتني بأن عليَّ أن أوقّع لها ورقة السماح لها بحضور دروس الرقص. طويت الورقة ووضعتها على منضدة الفراش، وقلت لها في الصباح اطلبي التوقيع من أبيكِ، ومثل كل مساء قبّلتها على جبينها.

عندما عاد جيف كنت أنا في فراشي بالفعل. سمعته يدخل بحرص في الظلام حتى لا يوقظني. ودون أن أفتح عينَيَّ قلت له إنه في إمكانه أن يوقد النور لأنني ما زلت مستيقظة. أوقده، نزع ملابسه واستلقى بجواري وربت على وجهي. ما زلت أفكر في قصتي. لا تنقصني سوى نبرة البداية.

مذكرتي العزيزة، إنه يوم الاثنين من جديد! يقول النفسيون إنه يوجد عَرَض خاص بهذا اليوم. فبعد الاسترخاء في عطلة نهاية الأسبوع، تعاني كل الحواس من نوع من الاضطراب، والرفض لبدء أسبوع العمل. وأخشى أنهم بالفعل على حق! في الواقع، هذا الصباح اصطدمت مباشرةً بالخزانة المجاورة للمبرد، تمامًا في حافتها، بطبيعة الحال. أدى ذلك إلى قطع في الجبهة للأسف غائر. حاولت أن أضمده بالثلج قبل أن تستيقظ دوري. كان جيف قد استيقظ وذهب إلى الحمام. عندما أتت دوري إلى المطبخ ذكّرتها بإذن الرقص الخاص بالمدرسة. قالت: بعد الإفطار. ولكن حتى بعد الإفطار لم ترغب في الذهاب إلى أبيها. كان يجب عليّ اصطحابها حتى باب الحمام، وأن أدق بأصابعها الصغيرة على الباب الخشبي، لم يسمعها جيف على الفور إذ كان يحلق وهو يغني بأعلى صوته.

عندما فتح الباب في النهاية، فتحه بقوة شديدة، حتى إن دوري كادت تسقط أرضًا. تركتهما بمفردهما وذهبت لأرتدي ملابسي. بينما أغلق حزام تنورتي سمعت جيف وهو يقول بشدة: هل لديكِ صوت أم لا؟

ثم لا بد وأن دوري بعد ذلك قد عثرت على شجاعتها وطلبت منه توقيع الإذن. في الواقع، بدأ جيف يدندن بسعادة موسيقى فالس، وبينما أنا أمر أمام الحمام، ألقيت نظرة إلى الداخل ورأيتهما يرقصان. كان هو قد رفعها بذراعه القوية، وكان يلقي بها في الهواء، وعندما كانت تكاد تسقط كان يلتقطها ويلقي بها مرة أخرى، وبعد مرور عشر دقائق تقريبًا أدرك أنه قد تأخر عن ميعاده المعتاد. صافحني أنا والطفلة وخرج مسرعًا. دخلت إلى الحمام وكانت دوري ما زالت مستلقية في حوض الاستحمام. كانت منفعلة جدًّا ومتقطعة الأنفاس، ومن نظرة عينيها استطعت أن أفهم أنه لا قوة لديها للذهاب إلى المدرسة، ولأول مرة أوافق؛ لن تكون هذه نهاية العالم! ولا أنا أيضًا سأذهب اليوم إلى المكتب. لا أريد أن ترى لوري الجرح في جبيني وتنصحني مرة أخرى بطبيب الدوار.

ستكون فرصة مناسبة لأنتهي من بلوفر دوري، وأن أبدأ في واحد جديد لدميتها. لقد انتهيت من الكم الأول وأعمل حاليًا على الثاني. لم تستطع دوري القيام، ولكنها على الرغم من ذلك أرادت ارتداء زي الرقص الكامل، ولأضعه عليها كان عليّ أن أترك عمل التريكو. كانت مرهقة جدًّا ولم تستطع تحريك يديها وقدميها. لا بد أن أقول لجيف ألا يرهقها إلى هذا الحد مرة أخرى؛ إنها طفلة حساسة جدًّا، يكفي أقل شيء ليسبب لها اضطرابًا. بمجرد أن وضعت عليها الجوارب الطويلة، في الواقع، لم تستطع السيطرة على نفسها، وأخرجت كل شيء على نفسها كأنها عادت طفلة من جديد، ثم تقيأت إفطارها فوق الجاكت الدانتيل. أخذت قطعة قماش مبللة، ونظفت بها كل شيء، وبمجرد أن وضعتها على الحوض بدأت الدماء تندفع من فمها، ونظفت هذا أيضًا. عادةً ما تكون شرهة جدًّا في أثناء الأكل وهذه هي النتيجة. كنت أريد أن أنهرها، ولكن بمجرد أن انحنيت عليها وجدتها قد نامت. الصبر. أحيانًا يكون علينا أن نغمض أعيننا عن بعض الأشياء. سأستغل فترة السكون تلك لأكتب قليلًا في الحدوتة. البداية مؤكدة: العثور عليها في صفيحة القمامة. ولكن النهاية؟ ربما تكون هناك فكرة جيدة في كراس دوري. لا بد أن أبحث عنه.

يقولون إن الغيلان لا وجود لها إلا في خيالنا، ولكن الحقيقة أن الغيلان موجودون بالفعل، فأبي في الصباح محامٍ ولكنه يتحول إلى غول في الليل. عندما أنام وأخشى أن يدخل أحد غرفتي، أتشبث بتدي، وتدي هو دبي الفرو، فنحن أصدقاء منذ الأزل. يبدو أنه مصنوع من الفرو ولكن في الحقيقة إذا قلت الكلمة السحرية وقبّلته على قلبه تنبعث فيه الحياة ويصبح أقوى من أي شيء. في كل مساء يعدني تيدي بأن يدافع عني، وفي كل صباح أعده بأننا عندما نكبر سنهرب معًا، وسنذهب بعيدًا نتجول في الغابات نبحث فيها عن التوت الحلو والعسل ليضع فيه مخالبه. سنصبح عندئذٍ سعداء كما في كل القصص التي تنتهي نهاية سعيدة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روائيّة إيطالية
والمجموعة صدرت مؤخرًا عن سلسلة إبداعات عالمية ـ الكويت

 

مقالات من نفس القسم