“وجوه سكندرية”.. من مدينة بديلة

"وجوه سكندريــة".. تبرز روح مدينة استثنائية
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد حجيري

في كتابه "وجوه سكندرية" بدا الشاعر علاء خالد كأنه يكتب سيرة بانورامية لهذه المدينة المتوسطية الكوزموبوليتية المتسامحة، يتناول حياتها وشوارعها وميادينها وأهم رموزها الثقافية والفنية، وكيف أرّخ لها المبدعون في أعمالهم كتابياً وسينمائياً، فجعلوا من المدينة أسطورة، موثقًاً ذلك بكثير من جوانب الحياة فيها فوتوغرافيًا بعدسة سلوى رشاد. علاء خالد العاشق دائماً للكتابة عن حياة الأمكنة وناسها في مصر تحديداً، وسبق له أن أصدر مجلة متخصصة في هذا الشأن، يكتب عن الإسكندرية من منطلق أنها تبعث على الحنين أكثر من غيرها من المدن.

يشعر خالد الذي تؤرّقه الذاكرة أنه يكتب ليكوّن الذاكرة البديلة للمدينة كما عرفها وعاش فيها، حيث يرى أن ثمة ذاكرة مهدّدة بالإبادة، سواء بسبب مرض عارض، أو بسبب نظام سياسي شمولي، وفي الحالتين أيضاً، من يقوم بحفظ هذه الذاكرة المهدّدة هو الإنسان، على أمل أنه سيأتي يوم تتلاشى فيه تلك الظروف المهدّدة للذاكرة، لتعيد تفريغها على الأجيال الجديدة، ويتساءل: “لكن من يضمن أن تعيد هذه الذاكرة البديلة تفاصيل ما حدث بدقة؟ لا بد أنها ستضيف شيئاً أو تحذف خبراً، بسبب هشاشة هذه الذاكرة. ربما يحدث هذا، لكنها الضريبة التي يجب أن تدفعها الإنسانية في سبيل استمرارها، أن تعيش الذاكرة القديمة داخل لحظة تأويل مستمرة. أن تضاء الذاكرة القديمة بذاكرة جديدة، مهما كان حجم الخسائر“.

الإسكندرية بالنسبة إلى علاء خالد هي المدينة التي يعيش فيها، ملتصقاً بها، ولا توجد أي مسافة بينه وبينها، تجعله ينظر إليها عن بعد. تعرّف إليها في البداية من دون وسيط، سواء كان الوسيط التاريخ القديم لها، أو من خلال وسيط الأدب، الذي يجعل منها المدينة الأسطورة. ثم جاءت مرحلة أخرى، ربما هي مرحلة النضج، أو التعرف إلى المدينة عبر رؤية الآخرين لها. كان الوسيط الثقافي هو الداعم لتلك الفترة: الكتب الأفلام، الحكايات المروية، التاريخ. فقد ظلّت اسكندرية العصر الذهبي في العشرينات، الثلاثينات، والأربعنيات، هي “الفردوس المفقود” الذي ما زلنا نبحث عنه حتى الآن. على أن لورانس داريل، فورستر، قسطنطين كفافيس، أونغاريتي، وإدوارد الخراط… جميعهم وسّعوا من فضاء هذا الفردوس، وعلى هذا يقول علاء خالد إن الإسكندرية ظلت “أمينة لأسطورة الفقد”، أصبح اسمها “دليلاً على ثقافة كونية نادرة ضاعت. من هنا نشأت مفارقة أو مأساة من سطو هذا الفردوس المفقود داخل الأدب وامتداده في الذاكرة الجماعية حتى لما بعد هذا العصر الذهبي“…

وما يكتبه خالد عن فردوس الاسكندرية الضائع يتقاطع من ناحية الشكل مع كتاب “الاسكندرية سراب” ليوآخيم سارتوريوس الذي كتب في التقديم: “اليوم أصبحت أسطورة الإسكندرية أدبية بالدرجة الأولى. في دنيا العلوم، أصبحت المكتبة القديمة، آخر ملامح الأسطورة الرومانتيكية، فردوساً مفقوداً”. يجمع سارتوريوس نصوصاً كتبت عن المدينة الشهيرة من الماضي والحاضر. أما علاء خالد فيكتب عما كتب عنها وصوّرها وعاش وفيها، أنه أكثر حيوية وفي نظرته إليها لا يترك في رحلته التي يبدأ في سردها منذ صغره وخروجه في شوارع المدينة مع أبيه شيئاً إلا ويدوّنه بتفاصيله كافة كما عاشها وكان شاهداً عليها. يكتب عن شخصيات مجازية لأناس عاديين في المدينة، مثل جمال الدولي الذي كان يملأ شوارع الإسكندرية بكتاباته غرافيتي في الثمانينات، ومن خلالها يهجو النظام القائم أيامها، كذلك يبث حبه لليلى علوي التي كتب لها رسالة على الجدران يقول فيها: “أنا بحب ليلى علوي”. وفي إحدى مباريات كرة السلة لفريق الاتحاد، الذي كان يشجعه، خلع ملابسه كاملة في المدرجات وتحرك أمام الكاميرات والجمهور عارياً.

 خالد تعرّف إلى المغني الهندي أحمد سانجام في عقد التسعينات، كان يركب عجلة ويحمل مسجلاً على كتفه يذيع الأغاني الهندية وهو يغني معها. ويتذكر خالد “عايدة” بائعة الورد التي كانت لديها القدرة، كما يصفها، على الظهور في أماكن مختلفة عدة، وربما في التوقيت نفسه، بورودها الذابلة بجوار المقهى الذي اعتاد هو ورفاقه أن يجلسوا فيه. كما يذكر مقهى الكريستال، الذي كان يعد قبلة المثقفين، وربما يرجع تاريخه إلى فترة الأربعينات، وكان المكان المفضل للروائي إدوارد الخراط، وغيره من المثقفين. ثمة وجوه أخرى مجازية في الاسكندرية يكتب عنها خالد، كالترام والجغرافيا المتباينة بين الأحياء… يشرد علاء خالد في كتابه في صور ذاكرته وفي كتاباته كأنه يودع المكان الذي أحبه.

 

عودة إلى الملف

  

مقالات من نفس القسم