هي وأنا

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

هذا المنبه علىّ أن اكسره وأحوله إلى بودرة فاترة سامة، وأضعها لمخترعه في الشاي بلبن حتى يموت مرة أخرى.

اأخرج من البيت مرتدية ألوان متعددة من الملابس، يفضل دائما عزيزتي المحجبة ارتداء بلوزة عارية الأكتاف تحت جاكت خفيف لمواجهة كلاكسات الكون من حولك.

أشتري علبة سجائر رخيصة ألتهمها كلها في قضمة واحدة، فأنا جائعة هذا الصباح ولا طاقة لي لتحضير الطعام، أشتري جرائد اليوم أقرأ العناوين الأولى وأقرمشها ثم ألتهم سيدة تمر بجانبي تضرب ابنتها الصغيرة لأنها تطلب آيس كريم صباحاً والأم تري أن الايس كريم لا يصلح للصباح.

أبصق على الأرض عيناً واحدة لها، لتراني أذهب مع الصغيرة لشراء الآيس كريم..

الآيس كريم يصلح للصباح أيتها القاسية!

على باب المقهى الأنيق أخرجت وجهي الخجول من فردة جواربي،هذا الذي حافظت عليه من الاختفاء، وأخفيته بدوري في اكبر حلة في المطبخ، فكل صباح أصيح بلا صوت “أين تذهب جواربي؟” ولماذا تطير من على أحبال الغسيل ولا ترجع كل ليلة، حتى حين نصحتني جارتي أن أعلقها على مواسير صنابير المياه داخل المنزل ، كانت لا تجف بكل عند .

يستقبلني الجرسون ورائحة عرقه الشرسة لا ترحم ، هل أبلغ عنه مديره ويكون هذا اليوم يومه الأخير أم أتركه يعذب غيري.. تركته يعذب غيري فلماذا أنقذ العالم من العرق؟!

أتوجه إلى ثلاجة الحلوى، أدقق النظر في عيوب كعكة الجزر، أطلب بأدب الحديث مع الشيف الخباز المشرف على صنعها لأعبر له عن روعة ما أراه من جمال وتكوين.

دقائق ويخرج لي الشيف مرتدياً بذلة الفخر والغرور وكأنه مستر بوس، أقذفه بمنفضة السجائر الخاوية وأسحبه من رأسه إلى زجاج ثلاجة الحلوى ليرى زحف البكتريا وسكونها في تشققات الكعكة.

إنهم يبيعون لنا العفن ..ويبيعونه بالغالي أيضا!

أعود إلى طاولتي أتخلص من الجاكت واجلس عارية الأكتاف، حافية القدمين مستمتعة ببرودة الأرض، برودة الروح ، برودة صمت هاتفي برودة الغياب الذي اعرفه جيداً .

التهم قطعة البراونى الفقيرة على طرف فنجان الاسبرسو البارد ، اذهب إلى الحمام ،اخرج ما بي من حزن ولا ابكي.. فالبكاء رفاهية لو تعلمون ، أنظف حوض المرآة من خصلات شعر فتاة سبقتني، أزيل بورق المرحاض دموعها المخلطة بالكحل من طرف الحوض أري انعكاسي في المرآة

من هذه!

عينان بارزتان علي حافة الخروج من جوف العين ووجنتان تضخان الأحمر إلى العالم بصحبة شفتين باهتتين علي استحياء.

أعود لطاولتي اطلب الحساب، أدفع خاتماً عليه اسمي ترددت من إلقائه في الطريق خشية علي الآخرين من لعنته.. لماذا أخاف علي الآخرين من الشر؟! لماذا أحميهم؟ وبأي سلاح وهمي أدافع عنهم ثم أتمني لهم الموت؟

أدفع هاتفي وقطعة من إذني كبقشيش وأمضي.

أخرج إلى الشارع، أريد الذهاب إلى مقابر العائلة لأعاين أين سأنتهي ، في كل مرة أقرر حفر حوض زرع جديد يثنيني عم جعفر حارس المدفن لان اللصوص لا يتركون شيئاً، حتى الزرع يسرقونه.

ثلاثة سائقين يرفضون المشوار، أخذ الرابع، شاب عشريني أكلت الفاتلة من حاجبيه وشوهت طرفه اليمين، هذا أحمق لا يشد جفنه إلى الأسفل ويضغط عليه لذلك طار ما طار منه..أسرح في حاجبيه ولا أنتبه للطريق، فجأة وجدتني على طريق سريع والعداد يعدو أسرع من عجلات التاكسي، أسأله: أين نحن ذاهبون ولماذا هذا الطريق؟ يحدثني عن زحام وسط البلد وأننا سنموت قبل أن نصل إلى المقابر.

أدعو عليه في سري ، ثم أصب عليه اللعنات على مهل، ولا يخلو الصب من تذكر هؤلاء الحمقى الذين مروا في حياتي القصيرة ، لماذا يقفزون إلى راسي في أوقات السلام لماذا تركتهم هكذا بدون تسديد الضربات القاتلة واستخدام كل العنف تجاههم رداً علي ما فعلوه معي! لماذا أريد أن أبدو دائما المتصالحة مع الآخرين، الغير مبالية بالوحدة والملل والوجع، فليس من العدل أداء هذا الدور في كل المواسم ، لماذا لا يجلسون في ركن الغضب المخصص لهم، يأكلون ويشربون ويقضون حاجتهم في راسي، وبين الحين والآخر أغير لهم ملابسهم وأطبخ لهم حوارات من السم الدسم ليهدوا قليلا وينعموا بالسلام.

أنظر من شباك التاكسي، رجل مهندم في سيارة مجاورة يحفر فتحة ثالثة في أنفه، ولا يبالي بحديث امرأته التي يتحرك فمها بسرعة الضوء ولا تراه ..

عليّ أن أمتنع عن سلام الرجال بعد اليوم

عن سلام النساء

عن سلام العالم.. فنحن لا نعرف أين كانت اليد قبل السلام.

أنتبه لتوقف التاكسي..إنها اللجنة، يسحب الضابط من السائق الرخص ويعطيه إيصالاً بغرام بمئة وخمسين جنيه.. أجلس منشكحة في الخلف

ابتسامتي الأولى لهذا اليوم

يبتعد التاكسي عن طريق المقابر في كل خطوة يطيرها تجنبا للزحام ، وجدتني أقرب للبيت من الموت..

أودعه تاركة له ساعتي وفردة جواربي وحقيبة يدي .. ادخل البيت ، أجد قطتي منتحرة بذيلها في محاولة منها لإمساكه.. أضعها في الثلاجة وأنام.

أصحو من النوم احكي لزوجي عن حلمي الطازج، يطبطب على كتفي مهونا علىّ أن الغطاء طار من كثرة دوراني حول نفسي وأنا نائمة، فأبسط شيء أننا لا نربي قطة فهل صدقتِ الآن أنه حلم؟!

ماذا عن المقهى إذن؟! اجلس فيه يومين في الأسبوع وأزور أمي شهريا وأتعارك مع سائقي التاكسي يوميا.

يتركني بلا إجابة ويكمل سيجارته وجريدته.. ابحث في الانترنت ، انقر كل واصلة لتفسير الأحلام ،لاشيء يوقف تحليل المعطيات في ذهني..لا شيء يُجيب عن أسئلتي..أقف عاجزة أمام فهم معاني التردد والموجات المتكررة وكيفية القياس .

كل الذي أدركه أن الأحلام تأكل منى ثلاث وجبات يومياً، وأنا التي تسمن لا هي.

 

* نص من كتاب “الثامن من قوس قزح”

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون