هدايا الوحدة

هدايا الوحدة ... الحنونة .. القاسية!!
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

بهاء جاهين

إنسان مفرد، لاصحبة له إلا ذكري. هكذا يتبدي المتكلم في قصائد ديوان "هدايا الوحدة" لشاعره محمد خير. كل شيء صامت حوله، والحديث موجه للمطلق. هكذا تتنزل القصائد في لحظات الصمت.

وهي هدايا حقا، وهدايا قيمة، ولايستثني من ذلك إلا القليل.

مفردات القصائد: حبيبة غائبة، وسرير وجدار وسقف ومطبخ، ولايتجاوز ساكن القصيدة عادة حدود المكان الضيق إلا الي الشرفة:

فوق أرفف المطبخ

تركتِ لي

كل هذه العلب

وقد ألصقت فوقها

أوراقكِ الصغيرة

وخطكِ الكبير

يشرح أسماء البهارات

بوضوح وصبر..

كنت أعرف أن هذا الحنان

سيؤلمني

يوما..

ومفردات منزلية أخري: مثل الدولاب، مزلاج الباب.. أبعد مكان يذهب اليه أنا المتكلم سور حديقة في مكان ما مبهم، ومعه الحبيبة. والشاعر لايشير الي تلك المرأة بصفة حبيبة ولايشير الي نفسه بصفة شاعر، فبينما تزدحم الغرفة بالحضور والغياب، لا اشارة الي ورقة أوقلم، ولاحتي كتاب، ولا اسم للمحبوبة ولاصفة. هذا التجريد يجعل النص أرحب وأدعي لتوحد القاريء مع الكاتب، أو بالأحري، المتكلم.

ومن النماذج الرمزية القليلة في الديوان تلك القصيدة عن سور الحديقة:

في لحظة ما

استندنا سويا

إلي سور حديقة

لم يكن الطلاء

قد جف بعد،،

 

مؤخرا

مررت من هناك،،

نظرتُ

رأيت أثر جسدينا

في الحديد

الذي كان لامعا

يومنا..

 

لاتسيئي الظن

أعادوا طلاء السور

مرارا

بعد تلك المرة

…………..

لكنني

مازلتُ أميز أثرنا

رغم ذلك

لي عدة ملاحظات:

أولاها أن هذه القصيدة الرمزية، النادرة بالنسبة للديوان، تتمتع برمز بكر طازج ورقيق، وأنها من فرط رقتها وشجوها تكاد تحس وراء سطورها بحرا غنائيا مجهولا من بحور الشعر العربي، بينما هي مجرد جُمل من النثر مجزأ كل منها الي ثلاثة او أربعة سطور.

والقصيدة الواحدة التي يشير فيها الشاعر لنفسه صراحة علي أنه شاعر هي قصيدة الكسل، التي تُعتبر مفتتحا للديوان. يقول محمد خير:

معظم تلك القصائد

خضتها

بدلا من خوض الحياة،

أنا مدين إذن

للكسل

لاتناقض هنا بين حضور الشاعر بصفته وبين غيابه في الديوان، فالاشارة هنا مبررة، لأن هذه القصيدة – كما قلت – مقدمة يشرح فيها منهجه كسكلان لايغادر غرفته إلا بالكاد.. ربما هذه شخصيته، او هو رد فعل مؤقت لانتهاء قصة حب، إلا أن السطور التي أوردتها الآن تؤيد الاحتمال الأول. وفي تلك العزلة والوحدة يزوره الشعر وهو يحمل هدايا كأي زائر لطيف ودود، رغم أنه صاحب بيت.

يتجلي من كل هذا أن في الديوان وحدة عضوية، لأن الحاضر والغائب “خيط ينتظم اللآليء” كما يقول أمل دنقل. المتكلم حاضر والمحبوبة غائبة، ولكن حضورها قوي ومتكرر، والحاضر أعطاه الكاتب بعض الاستقلال ، دون أن ينفصم تماما عنه، وجعله شخصية درامية تتحدث عبر القصائد.

وفي كلمتين، الديوان جيد، والشعر فيه هامس وعذب، والشاعر يشتغل في قماشة ضيقة لكنها جميلة التطريز والوشي المنمنم ، وأنا أرشحه لك لكي تقرأه.

وهو صادر عن دار “ميريت”.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم