نص خطبة بورخس عند تسلمه جائزة ثربانتس

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
في عام 1979، فاز كاتب الأرجنتين الأعظم خورخي لويس بورخس بجائزة ثربانتس، التي تسمى أيضًا بـ "نوبل الآداب الإسبانية"، وبمناسبة مرور 35 عامًا على هذا التاريخ، ننشر نص الكلمة التي ألقاها أمام الملك خوان كارلوس وأكاديمية اللغة الإسبانية.  

جلالتكم، السيدات والسادة:

مصير الكاتب مصير غريب، إلا إذا كانت كل المصائر غريبة. مصير الكاتب دراسة ما يشترك فيه البشر من فضائل واحتضارات وأنوار، والشعور بكثافة بكل لحظة في حياته. الكاتب، كما كان وولسر يريد، ليس ممثلًا فحسب، بل أيضاً مشاهداً لحياته، وعليه أن يتذكر ماضيه، وأن يقرأ للكلاسيكيين، فالمرء لا يستطيع أن يفعل شيئاً، لا نستطيع ببساطة إلا أن نعدل الموروث بشكل طفيف جدًا، واللغة هي موروثنا.

الكاتب يعاني من بنقيصة: أنه يجري عمليات جراحية بالكلمات، والكلمات، كما نعرف، مادة هشة. الكلمات، كما كان يعرف هوراثيو، تغير وقعها العاطفية، كما تتغير دلالاتها. لكن الكاتب يضطر للاستسلام لهذه القيادة، الكاتب يضطر أن يشعر، بعدها يحلم، بعدها يترك نفسه حتى تأتيه الأسطورة.

من المناسب ألا يتدخل الكاتب كثيراً في عمله، وأن يكون سلبياً، وأن يكون مضيافاً لما يأتيه. ينبغي أن يشتغل على هذه المادة من الأحلام، أن يكتب وينشر، كما قال ألفونسو رييس، حتى لا يقضي عمره مصححاً مسوداته. وهكذا يعمل خلال سنوات ويشعر بالوحدة ويعيش في سلسلة من الأحلام. لكن إن كانت النجوم تبشره بخير، وأستخدم عن عمد الاستعارات الفلكية رغم أنني أكره علم التنجيم، ستصل لحظة يكتشف فيها أنه ليس وحيداً. في هذه اللحظة التي وصلته، التي تصله الآن، يكتشف أنه في مركز دائرة واسعة من الأصدقاء والمعارف والمجهولين، في وسط أناس قرؤوا عمله وأثراهم. وفي هذه اللحظة، يشعر بأن حياته لها مبرر. وأنا أشعر الآن أن حياتي أكثر من مبررة، خاصةً بعد وصول هذه الجائزة إليّ، الجائزة التي تحمل اسم ميجيل دي ثربانتس العظيم.

  أتذكر المرة الأولى التي قرأت فيها الكيخوتيه، سنة 1908 أو 1907، وأعتقدت أنني شعرت، في ذلك الزمن البعيد، بأن البطل ليس دُن كيخوتيه، رغم العنوان الخادع، وإنما البطل المانتشي، أو السيد القروي الذي ربما نقول الآن إنه، رغم قراءته كتب بريطانيا، كتب فرنسا، كتب روما العظمى، يريد أن يكون فارسًا نبيلًا، مثل أماديس دا جاولا أو بالميرين، أو أيًا كان. هذا البطل الذي يفرض على نفسه معركة ما ينتصر فيها في بعض الأحيان: أن يكون دُن كيخوتيه، وفي النهاية يتيقن أنه لا يكونه، ويعود أخيراً لكونه ألفونسو كيخانو، بمعنى أن هناك دائمًا بطلًا عادة ما يطويه النسيان في الواقع، وهذا هو الفونسو كيخانو.

 أريد أن أقول أيضاً إنني أشعر بالتوتر، لقد أعددتُ الكثير من العبارات التي لا أستطيع تذكرها الآن، غير أن هناك شيئاً لا أود أن أنساه: يسعدني كثيرًا أن أتلقى هذا الشرف من يد ملك، فالملك مثل الشاعر، مقدّر له مصيره، يقبل مصيره وينفذ مصيره، ولا يبحث عنه، بمعنى أن مصيره شيء حتمي، حتمي بجمال، ولا أعرف كيف اعبر عن امتناني، فقط يمكنني أن أقول جزيل شكري لحضراتكم جميعًا.

شكراً جزيلاً.

 

مقالات من نفس القسم