فريدا كالو: الغزالة المرشوقة بالسهام
في داخل كل امرأة فريدا كالو نقية.. وفيَّة.. صابرة.. عاشقة.. ومخلصة.. وفي داخل كل رجل دييغو ريفيرا.. عاهر.. خائن.. متهتك.. ونذل. معادلة صعبة وظالمة ولكنها إرادة الحياة.. أو نصيب الأنوثةِ من لعنة الذكورة.. في البدايات كتبتُ قصيدة لفريدا.. الغزالة المرشوقة بالسهام في لوحتها ذات البعد الأسطوري.. قصيدة كان الدافع لكتابتها فيلم وثائقي عن حياتها.. لم أسبر في القصيدة غور هذه الفنانة الجامحة والمرأة اللغز.. كانت محاولة لتتبع نداءات فريدا وأحلامها السريَّة في كلِّ أنثى، فيما بعد تكشَّفت لي عوالم هذا الكائن الجريح، بالغ الرهافة والحساسية.. المقهور كعصفورة وحيدة أو حمامة سطت أفعى ضخمة على فراخها. لاحقا قرأت الكثير عنها وعن علاقاتها العاطفية المرتبكة والغامضة، وأشفقت على فريدا الطاهرة.. النبيلة.. العاشقة.. المتمردة والمبدعة، التي أعطت حبيبها النذل أقصى ما يبحث عنه رجل لدى امرأة.. لنستمع إلى نبض قلبها المنتفض غضبا وحزنا وعشقا ومرارة وهي تخاطبه في احدى رسائلها “لا أخشي الألم وأنت تعلم ذلك جيداً، فالألم كما تعلم مُقترن بي دائماً، وعلى الرغم من أعترافي بأنني عانيت كثيراً عندما خُنتني، في كُل مرة فعلت فيها ذلك، وليس فقط عندما خنتني مع أختي ولكن مع العديد من النساء الأخريات. أسأل نفسي كيف أنخدعوا بك؟ أنت تعتقد بأنني غاضبة بشأن كريستينا ولكنني أعترف بأن ذلِك لم يكن بسببها، بل كان بسببي أنا وأنت .أولاً بسببي لأنني لم أستطع أن أفهم ما كُنت تبحث عنه لدى الأخريات، وما هو الشيئ الذي كانوا قادرين على إعطائك إياه ولم أستطع أنا. دعنا لا نخدع أنفُسنا يا عزيزي دييغو، فلقد أعطيتك كُل ما يُمكن أن يقدمه إنسان، وكلانا يعرف ذلِك جيداً.كيف بحق الجحيم تمكنت من إغواء هذا الكم من النساء بينما أنت إبن عاهرة قبيح”.
*
مريد البرغوثي: حارس ظلِّ الأنهار
أهيَ صدفة أن يرحل شاعرُ الحبِّ والمنافي في يوم الحبِّ..؟!
وانفرطت سُبحة القلب والقصائد يا مريد…مريد البرغوثي ليس آخر ناطحة لسحابنا الشعري فحسب، هو سليلُ سندياننا السماوي المقدَّس وحارسُ ظلِّ الأنهار وأزهار فلسطين.
هو من قالَ محمود درويش أنه أحبَّ مرحلته الأخيرة..
وأنا أحببتُ مرحلته الأخيرة وما قبلها.. شاعر من طراز خاص.. أحد أهم الأصوات الشعرية الفلسطينية، وصاحب تجربة من أجمل تجارب الشعر الفلسطيني وأقربها إلى المكاشفة المفتوحة على المختلف واليومي. مبدع متفرد.. ذو نفس عالية.. يمتلك لغة شعريَّة طازجة.. بالغة الرهافة والخصوصية، ومخيِّلة جامحة فيها ما فيها من الآلام والآمال والجراح والعذابات. مسكون بفضاءات بريَّة وطنه وهو بعيد في منافي أوروبا أو في القاهرة التي أحب، ولكنه يعرف ما يريد من الشِعر، كيفَ يشذِّب قصيدته بعناية ودقة بستاني عاشق، وكيفَ ينحت عبارته بإزميل الماء والضوء، شاقاً لقصيدته الطريق الأصعب والأجمل في زحمة الأصواتِ الكبيرة.. المتمردة والممتدة، من غير أن يكون قالبا جاهزاً لنوع شعري معيَّن أو صدى مجاوراً لتجارب مجايليه. كأنه نجم شعري بعيد، يصلنا ضوؤه بعد ملايين السنين الضوئية، أو أرض مجاز بكر، تنبت السهل الممتنع وبروق الأحلام المكتوبة، وقصب الحنين إلى النبع.استيقظ يا صاحبي كي ترى رام الله أو كي تحلم.. أو كي تكمل قصيدتك المضمَّخة بعطر البن على شرفةِ الأبديَّة..
فها هيَ قصائدُ الشهوات الجميلة بعدكَ ينقصها ملح الأنوثة “شهوةٌ لتلاوين نشوتنا
فهيَ خضراء غابيَّةٌ فى ذراعيكِ عند انغلاق العناق علينا / حبيسينِ فى واسع من فضاء النوايا / سجينينِ مثل العصافير فى ريشها / وهىَ تلهو وتلعب فى الجو هابطة صاعدة
شهوة لتلاوين لذتنا / وهيَ دائرة من بداياتها لبداياتها عائدة / وهيَ زرقاء فضيةٌ حين تلمع رعشاتها فى العظام / وتغدو أنيناً وتغدو رنينا”
آخر طيور فلسطين النادرة وآخر شعراء السلسلة الذهبية الكبار وداعا.
*