مَن أنتَ؟!

موقع الكتابة الثقافي art 39
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أميرة الوصيف

لا أعرف إن كان يجوز للمرء أن يهدي دمه لشخصٍ لا تربطه به صِلة دم. أندهش لماذا أمسكت بقلمي ودَوَنتُ أول حرفين من اسمك؟ فلقد اعتدت دائمًا إهداء كل رسائلي الغرامية إلى الخيال فهي منه وإليه تعود، تلك التي اعتدتُ كتابتها وتضفيرها أمام البحر و في أوقاتِ الغروب ثم أقوم بتدوينها ونشرها بين دفتي كتاب لأُلقي بها في فضاءٍ فسيحٍ لا أعرف فيه أحد.

في السابق كنت أكتب عن توأمة الروح دون أن أعرفها، وكأنني أهمس بكلماتي العبثية في أذنِ الكون فقط، فالأمر لا يتعلق بتلك الأشياء العابرة التي يُحبها الناس ويتعلقون بها فتضيع ويضلون طريقهم. الحكاية بألقها هي أنت. تلك الكلمة البسيطة التي باتت تُشَكِل مركزية عالمي، تلك التنهيدة المكتومَة التي دَقت عظامي بقوة.

ذات يوم كنت أفترش الأرض كعادتي في حالةٍ من الفوضى. زارني طيف لم أره من قبل. اقترب مني شيئا فشيئا وكاد أن يلمسني. سددت نظراتي إليه وكأنني أطالبه بالإفصاح عن هويته لكنه ابتعد تدريجيًا حتى تلاشى

ثمة شيء ما همس في أذني. رأيتك في خيالي أولًا وتحدثت إليك مائة مرة. قارنت بين خطوط يدك وخطوط يدي. عانقتك ووشيت بحُبَك لعقلي الباطِن. هدهدتك كما الأطفال. التصقت بك حتى ذُبت فيك وصرنا شخصًا واحدًا

أحببتك قبل أن أعرفك ولهذا فإني أحبك مرتين!

أمضي على مَهلٍ مُسافرةً عبر الزمن لأُفتش إن كنت قد التقيتك قبل أُولَد وأسأل نفسي كما المجنونة: مَن أنت؟ كيف لي أن أعرفك إلى هذا الحَد؟ كيف لكَ أن تسبح بدمي دون أن يضطرب؟! كيف ألقيت بنورِ روحك على نفسي كما السَحَرَة؟

أتدثر بأحرفك، أتمدد مُسترخية بين الفواصلِ القصيرة، ألتقط أنفاسي لأحبسها من جديد. أقرأك لأقرأني ثم أكتبك رغم أني كتبتك منذ زمن، فكل حرف دَونتَه كان لك دون أن أدري، وكل عبارة نقشت نفسها على الورق كانت تُناديك سِرًا وجهرًا.

كتبت يومًا:

تقول عرافتي أنك تتوسَد كفي في ارتياحية عجيبة وتقول أيضًا ما أشقاكِ في حُب رجل يُعادِل كوكب!

كنت أظن أن الشِعر يُطعِمنا المجاز بملعقته الذهبية ليُذيقنا لذةً مؤقتة ثم يُلقي بنا على قارعةِ طريق الواقع لنواجه عذابات الروح، تلك الناجمة عن اتساع الهوة بين الخيال والحقيقة، لقد اعتقدت أن ما كُنته بدا أشبَه بمَن يجر القمر بالحبال!

ها نحن الآن نقف على باب مجازٍ آخر، تلك الآفة التي يتعذر على الشاعر مُغادرتها. كنت أُنكِر ما قاله خيالي بيني وبيني فكيف يستقيم إيجاد رجل بحجم كوكب في هذا العالم؟ كيف يمكن وقد ضاقت الأرض بساكنيها بعدما فقدوا أرواحهم؟ ولكن ماذا عنك؟ عن رجل يُعادِل كوكب؟ عن رجل نبيل جاء إلى هذا العالم عن طريق الخطأ؟ ماذا عن قلبك النابض بالصدق وضحكتك التي تُخفي الكثير؟ وماذا عن قلمك الفلسفي وتحليقك كما الملائكة الطِفلَة في سمواتٍ نورانية بعيدة؟

ماذا عن ايمانك العميق حتى وإن كنت تكتب عن “العدمية”، فكل حرف تكتبه يطفح باليقين وإن بدا عكس ذلك.

أتخيلك تجلس مُرتَبكًا وسط كومَة من الأوراق مُحاولًا تبديد هراء العالم بضحكة ساخرة وكأنك تُخرِج لسانك في عِناد لهذا الكون بأسره. ألمحك تتَكَوَم في إحدى الزوايا كما الطفل لتُرَتِب الأشياء كما يليق بجمالِ نفسك..

 أراك تُطِل عليّ كنافذة قمرية أو هلال فضي مُعَلَق بين أسطرِ السماء الواسعة، ألمحك تُطِل بين كل سحابة  وأخرى وتَبتسِم فأشعر أن قلبي لم يعد مكانه قلبي وأفهم أن هذا أكبر من الحُب..

 

 

 

 

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار