«ميرال» المتوجة بالجوائز الساطعة: الاغتراب جزء من تكويني

ميرال الطحاوي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاورتها: سمر نور

منذ صدور مجموعتها القصصية الأولى «ريم البرارى المستحيلة» عام 1995، وحتى صدور روايتها الأخيرة «أيام الشمس المشرقة» العام الماضى- التى وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة «البوكر» العربية هذا العام- و«ميرال الطحاوى» الأديبة المصرية المقيمة فى أمريكا، والقادمة من مجتمع بدوى فى محافظة الشرقية، تحفر علاماتها على خريطة الأدب العربى.

روايتها الأولى «الخباء» الصادرة عام 1996 اختيرت بين أفضل مائة رواية عربية فى القرن الماضى من مركز أبو ظبى للغة العربية، وهى نفس الرواية التى حصدت جائزة الدولة فى الرواية آنذاك.

وإلى جانب وصول رواية «بروكلين هايتس» إلى القائمة القصيرة للبوكر عام 2010، وحصولها على جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 2011، ارتبطت كتابة ميرال بحالة الترحال.

ما بين الشرقية والقاهرة وأريزونا، ما بين فاطمة وآخرين بمجتمع بدوى مغلق فى رواية «الخباء»، ونعمة الخباز وآخرين فى متاهة الغربة ببروكلين، فى«أيام الشمس المشرقة»، هناك حالة من الحركة المستمرة والبحث عن مكان آخر.

وكأن هناك علاقة وثيقة بين تلك الشخصيات وتاريخها الشخصى وانتقالاتها الجغرافية، وهو ما تعلق عليه قائلة: «هذه ملاحظة دقيقة، لكنها تتصل أيضا بما يمكن أن أسميه رحلتى الشخصية، بذاكرتى التى تكونت فى مراحل متعددة، فقد بدأت الكتابة وكنت فى ذلك الوقت أعيش فى بيت أبى فى محافظة الشرقية.

بنت عرب كما تقصيت ذلك فى كتابى «بنت شيخ العربان»، وهى سيرة تاريخية للقبائل العربية التى دخلت مصر، وعاشت لمئات السنين فى جيوب عرقية و جغرافية منعزلة تقريبا، لكنها محاطة بالقرى المصرية، وحضارة المصريين من كل جانب، نشرت أولى رواياتى فى دار «شرقيات» وهى رواية تعكس هذا العالم وتلك العزلة.

ورحلتى فى القاهرة كأديبة تتشابه مع كل أدباء الأقاليم، رحلة لفهم تلك المدينة التى انتقلت إلى العيش فيها، لكننى لم أعرفها، لم تكن جزءًا حقيقيًا من مخيلتى للمكان أو لساكنيه، ثم انتقلت بعد ذلك إلى العيش فى الولايات المتحدة.

وكانت تلك الرحلة تجسيدًا لكل ما تصورته عن الاغتراب. ولا عجب أن رسالة الماجستير التى كتبتها مبكرًا كانت عن التمرد والاغتراب فى الأدب النسائي، لقد تلازمت تلك الخبرة فى كل ما أكتب، خبرة التمرد ومحاولة الخروج من الشرنقة، والشعور الموجع بأننى دائما خارج القطيع بشكل ما أنتمى لجيل التسعينيات، لكننى لست جزءًا من تجربته.

وأنتمى إلى الريف لكننى كنت معزولة عنه، كنت أشعر طوال الوقت بأن هذا الاغتراب الوجودى جزء من تكوينى النفسي، جزء أشعر طوال الوقت بحالة من الهروب، بالطبع سجنتنى التقاليد، والحياة خارج القاهرة، وجعلت طفولتى كلها محاولة للهرب.

ولم يكن فى حياتى مساحات حرة، عشت محاطة بالخوف، خوف بنت العرب كما يقولون من الحياة ومن التجربة، خوف من الدوائر الثقافية، ومن الشللية، ثم من الضياع كأديبة فى لغة غريبة ومجتمع مجهول ذهبت إليه مختارة، ربما هربًا أو طمعًا فى التحرر.ونسألها: هناك، أيضًا، حالة ترحال لغوي، إن جاز التعبير، أو نحت للغة مختلفة من عمل لآخر، ما بين لغة «الخباء» الشعرية، إلى لغة روايتك الأخيرة المرتبطة بالواقع المعاش، وما بينهما من أساليب معتمدة على الرمزية فى سرد تفاصيلك الذاتية، فكيف كانت رحلتك مع اللغة؟
اللغة أيضا كائن حي، لقد تعرفت على اللغة العربية بشكل محب ومبكر، قرأت الأسفار التراثية والتفاسير وأمهات الكتب، عشقت الشعر العربى ودرسته، لكن الاكتشاف الحقيقى للغة كان عند الهجرة والاضطرار إلى تعلم لغة جديدة، اكتشاف بلاغة مغايرة قائمة على الاقتضاب، وعدم التكرار، الوضوح بديلا عن الاستعارات.

وتلك التجربة رغم المعاناة فى التعلم قد أعادت صياغة رؤيتى للجمال اللغوي، ما زلت مغرمة بالعربية، لكننى أستطيع أن أقول إنها لغة خلاقة، وطيعة ومتجددة، وتستطيع أن تخلق تناغمها مع أى نص بعيدا عن الأنماط والمحسنات البلاغية العقيمة، أنا سعيدة بروايتى الجديدة «أيام الشمس المشرقة» لأنها سمحت لى بهذا الانتقال من التصور الجمالى الشعرى للغة إلى نوع جديد من الكتابة.وفى اتصال هاتفى منذ سنوات بعيدة تحدثت معى عن طموحك السابق فى العمل فى الصحافة والذى انتهى بعملك كأستاذة للغة العربية وآدابها فى مصر وأمريكا، كنت آنذاك قد استقر بك المقام فى السلك الأكاديمي، وشعرت أن لديك عدم رضا، إن جاز التعبير، عن هذا المسار.. هل تجدين أن العمل الأكاديمى قد عطل مسيرتك الروائية، بمعنى آخر، لم يمنحك الوقت للتفرغ الكامل للكتابة الإبداعية؟
نعم أتذكر ذلك، وما زلت أحب الكتابة السردية الحرة، أتابع بشغف المنصات الإعلامية العربية، وما أكثرها وأعتقد أنها حققت طفرة فى الكتابة وصياغة الموضوع، وهى كتابة عميقة غير نمطية بالمرة، كان لى عدة تجارب أيضا فى كتابة صفحة أو زاوية فى مجلات ثقافية، جمعتها فى كتابى «إمرأة الأرق».

ولكن تأكدت بمرور الوقت أن العمل الصحفى لا يلائمني، فطبيعتى الشخصية خجولة، وعلاقاتى محدودة وطبيعتى الشخصية أقرب إلى الأكاديمية، درست الأدب العربى فى عدة جامعات مصرية وأوربية وأمريكية، واستقر بى المقام أستاذًا بجامعة «أريزونا» أدرس الأدب والثقافة العربية والصحافة.وقد نالت ميرال تقديرًا نقديًا واحتفاءً ملحوظًا وحصلت على جوائز معتبرة، ولكن هل وضع رواية «الخباء» بين أفضل مائة رواية فى القرن الماضى كان وقعه مختلفًا بالنسبة إليك؟
كان اختيار «الخباء» لتصبح واحدة من ١٠٠ رواية عربية خبرًا جميلا، فالخباء روايتى الأولي، والاختيار جاء من مركز «أبو ظبي» للغة العربية بعد استطلاع شامل وسري، بالطبع كان خبرًا سعيدًا، الخباء هى روايتى الأولى التى منحتنى مكانًا كمبدعة.

وجسدت هوس هذا الهاجس الأزلى بالانعتاق من قيود العالم القبلي، سعيدة أكثر بعودتى إلى النشر والكتابة بعد فترة صمت، كنت مشغولة فيها بحياتى الأكاديمية، روايتى «أيام الشمس المشرقة» منحتنى تلك الفرصة لتجاوز الخوف من النشر.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم