نجوى بركات: الكتابة تقودك إلى الصمت

نجوى بركات
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاورها: حسن عبد الموجود

حتى هذه اللحظة لا تستطيع الكاتبة اللبنانية الكبيرة نجوى بركات تحديد جيلها. ولدت في الستينيات، وبدأت الكتابة الروائية بشكل رسمي في باريس. نشرت روايتها الأولى عام 86 في غربتها الطويلة وشعرتْ بشيء من اليتم فلم يكن لديها أبناء جيل، وأصدقاؤها لم يتوجهوا إلى الكتابة الأدبية بل إنها تركتهم خلفها في بيروت. كانت كذلك شخصاً خجولاً جداً ومنسحباً جداً، ظنت أنها حينما تنشر كتاباً ستدخل عائلة كبيرة من الكتَّاب وهذا ما لم تجده إلا لدى قلائل جداً جمعتها الصدفة بهم، ومن ضمنهم المصري إدوار الخراط، الذي قرأ «حياة وآلام حمد ابن سيلانة» وأعجب بها واعتبرها نوعاً من القص الجديد، وكذلك الكاتب الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل حيث اكتشفت متأخرة أنه كتب عنها في عمله الرائع «مبدعون مغايرون».

تحكي: «لا أخفيك أني شعرت بشيء من الخيبة إذ كنت أكتشف شيئاً فشيئاً أن علاقات الوسط الأدبي مسمومة في جزء كبير منها وأن تواجدك في المشهد الأدبي يستدعي منك أموراً وسلوكاً معيناً كان بعيداً جداً عن مزاجي وشخصيتي. لذلك في مرحلة ما فضلت الانسحاب وعدم المشاركة في حفل الطبل والزمر الذي كان منصوباً». اكتشفت نجوى بركات أن المطلوب لكي تُقرأ ويتم الاعتراف بها أمراً يفوق طاقتها ويتطلب بتعبيرها «موهبة لست أملكها للأسف». لم تندم أبداً على هذا: «ما زلت أحب الكتابة من الموقع الخلفي والخافت الذي ما زلت أشغله وأشعر بالسعادة فيه منذ أكثر من ثلاثين سنة».

انسحبت نجوى بركات إلى الظل لمدة 15 عاماً توقفت فيها عن الكتابة، وهي نفس المدة التي امتنع فيها الناس عن زيارة بطل روايتها الجديدة «مستر نون»، ولهذا فإن الحوار هو قصة نجوى بركات وقصة مستر نون معاً، وعلاقتهما وتأثيرهما على بعضهما البعض. في هذا الحوار نبدأ بمستر نون وننتهي بنجوى بركات لنكتشف أنها منحت الكثير جداً من روحها لبطلها الذي عاش أهوال الحرب الأهلية في بيروت، كما عاشتها نجوي في مراهقتها. في هذا الحوار قصة كاتبة وبطل لديهما الكثير من المشتركات في الصفات والملامح وحتى في محبتهما للصمت والكتابة من الصفوف الخلفية.

في روايتك «مستر نون» كنا أمام ما يشبه طبقات من الحكي وتداخل الواقعي مع الخيالي، ومع مرور الأحداث، ذهاباً وإياباً من الماضي إلى الحاضر، في عدة أزمان، كنا نفاجأ -كلما تخيلنا أن المفاجآت انتهت- بشيء جديد، حتى إنه كان علينا أن نستوعب فكرة أن السيد نون هو السيدة نون، وتطلب هذا بناء بالغ الصعوبة في الكتابة لكنه أصبح مشوقاً في القراءة، فهل كان لديك قرار منذ البداية بصناعة عمل لا يكشف عن نفسه إلا مع آخر سطر؟

كان التصور موجود من البداية، وكنت أريد أن أبني رواية تُقرأ بمفهوم رجعي، يعني كلما تقدمت بقراءة بفصل تضطر للعودة ذهنياً إلى الفصول السابقة، وتماماً كما قلت أردت عند انتهاء الرواية أن يعيد القارئ اكتشاف مستوياتها الثلاثة، فهناك من جانب أزمنة ثلاثة، هي ماضي الشخصية، دعنا نقول ماضيها البعيد عندما كان طفلاً، وماضيه عندما بات كاتباً معروفاً، أو لنقل مقروءاً إلى حد ما، وحاضره حيث توقف عن الكتابة ودخل في متاهة الرواية التي تشكل زمن السرد الحاضر.

ومن ناحية ثانية أردت تقسيم الرواية إلى ثلاثة أقسام كبيرة، تتماشى مع هذه المستويات الزمنية، ولكن من دون أن تتبع تراتبية معينة، فالأزمنة تتداخل في ذهن السيد نون، ومرد ذلك إلى تكوينه ككاتب، حيث تتبع الذاكرة خيطاً رفيعاً جداً بين ما هو متخيل وما هو واقعي.

أردت أن أدخل في دماغ الكاتب، وكيفية نظره إلى الواقع، فما نقرؤه أو ما نراه خلال مطالعة الرواية ليس سوى رؤية مستر نون لما يحيط به ولما يحياه، وهي رؤية سيكتشف القارئ شيئاً فشيئاً أنها تُحوِّل الواقع وتدخله في مطحنة الكتابة.

البطل وربما البطلة لم يزره أو لم يزرها أحد في المصح بحسب تقرير الطبيب النفسي لمدة 15 عاماً، هي نفس المدة التي توقفتِ فيها عن كتابة الرواية، فهل كنت تهدفين إلى إسقاط الأمر على نفسك أو منح بطلتك شيئاً من روحك؟

أستطيع القول إن السيد نون فيه الكثير مني، فيما يتعلق بعلاقته المتأزمة بالكتابة في مرحلة ما من حياته، أنا أشبه السيد نون في النفور من الكتابة ومن المكتوب ومن النص الأدبي حيث اختلطت الأمور واختلط معنى الكلمات وبات كأنه فاقداً كل دلالاته، لا بل كل مادته، بمعنى آخر، لم تكن أزمتي أو أزمة السيد نون متعلقة بشعور التصحر أو ما يسمى معضلة الصفحة البيضاء، وإنما مثلما يصف مستر نون الأمر هو كره للكلمات وفقدان للثقة بها، أو بمقدرتها على التعبير عن واقع بلغ بقسوته وسوداويته ما لم يبلغه خيال أي كاتب من قبل.

لا بد لمن يمتهن الكتابة أن يسأل ذاته عن معنى الكتابة ومكانة الأدب في ظروف بائسة ومخيفة كتلك التي نعيشها في منطقتنا. أنا شخصياً ومثلي السيد نون شعرنا في مرحلة ما أن الصمت هو أفضل ما يكون أو هو أفضل ممكن في تلك المرحلة.

الرواية فيها استشهاد أوحد يقول «لقد قادتني الكتابة إلى الصمت» لصامويل بيكيت، لا بد للكتابة أن تقود في مرحلة ما إلى الصمت، الصمت لما هو فضاء متاح لطرح تساؤلات تتعلق بجوهر الكتابة أو بمعناها العميق.

أنا شخصياً طالما أردت الحفاظ على علاقة حرة بعملية الكتابة بحيث قررت باكراً بألا أرغم ذاتي على إنتاج كتب أو روايات تبعاً لإيقاع مقرر سلفاً. لقد شعرت ومنذ بداية علاقتي المبكرة مع الكتابة أن الأدب عالم مهم واستثنائي يتطلب الانتماء إليه درجة عالية من الالتزام، وفي الآن نفسه درجة عالية بالقدر نفسه من الانفلات، ولذا كنت كلما انتهيت من رواية أسأل نفسي السؤال الذي ما زلت أطرحه إلى اليوم: ما الذي سيحصل للعالم إن لم أنشر ها الكتاب؟ ولأن إجابتي كانت في معظم الأحيان لا شيء، كنت أسمح لذاتي بألا يكون عملي على مستوى الكمال، أو الاكتمال الذي أطمح إليه. أنا لست أرى ولن أرى في الكتابة مهنة نعتنقها وتتطلب منا أن نجلس كل يوم إلى أوراقنا البيضاء، ما لم نؤمن بشدة في أعماقنا أننا شبه عباقرة من مستوى عباقرة الرواية من أمثال دستويفسكي أو جيمس جويس.

منذ روايتك الأولى «المحول» وأعمالك غالباً تدور في أجواء من البؤس الشديد، وبعد هذا التوقف الطويل جاءت الرواية الأحدث «مستر نون» كأنها حزمة مكثفة لهذا البؤس، بؤس الإنسان وشقائه وتعاسته، وتحوله إلى حيوان لا يكف عن التفكير في أذى الآخرين.. هل هناك قصدية في أن يرتبط سؤالك وانشغالك الروائي طوال الوقت بفكرة عنف الإنسان؟

لا ريب أن الكتابة هي محاولة «فاشلة» للإجابة عن سؤال ما يشغل عادة الروائي بحيث يشكل محوراً تدور حوله معظم أعماله. أنا شخصياً وربما بسبب الحرب الأهلية اللبنانية التي عشتها في بداية مراهقتي جعلتني أفقد ثقتي بالنوع البشري وجعلت سؤال العنف والمقدرة على الأذية هو سؤالي الأزلي كروائية.

وأنا أقول «فاشلة» لأن من طبيعتها ومن جوهرها أنها لا تملك الإجابة على ما تطرحه من أسئلة. وحين أقول إن تيمة العنف تشغلني فربما يجب أن أضيف كلمة القسوة، وهي برأيي الدرجة القصوى من العنف حين لا يستند إلى مبرر أو حين يفقد كل مسوغ إنساني وأخلاقي. أجل العنف ملازم لطبيعة البشر لكن القسوة أمر آخر لأنه مقدرة الكائن على أذية كائن آخر من دون دافع أو مبرر باستثناء التلذذ بممارسة سلطة مطلقة تبلغ حد سلب الحياة. فيما يتعلق بالبؤس فأنا لا أتناول شخصياتي في بُعدها الاجتماعي وإنما في بؤس شرطها الإنساني، لذا تراني أنتقل بين شخصيات تمارس هذا النوع من القسوة كما في الروايات التي سبقت «مستر نون»، أو تتلقاها كما في الرواية ذاتها. أعتقد أنني للمرة الأولى قررت في هذه الرواية أن أجلس في موقع الضحية، أو في موقع من يتلقى كماً هائلاً من القسوة، وقد اخترت البطل كاتباً لأن الكاتب في اعتقادي لا ينفذ على عكس ما نعتقد من آثار القسوة التي يواجهه العالم بها، فمستر نون كما سنرى سيواجه الشياطين التي ظن أنه اختلقها ثم أماتها، ما أن ينسى هويته ككاتب ليتحول بدوره إلى شخصية يكتبها هذه المرة الواقع.

دامت الحرب 15 سنة، أنا عشت منها عشر سنوات، وعشتها في فترة كان وعيي ككائن في طور تشكله، لذا أعتقد أنها حولت مساري في هذا الاتجاه ولو لم أعش تلك الحرب – التي للأسف تتسع دوائرها في منطقتنا كحصاة رميتها على سطح الماء – لما استمر هذا السؤال يشغلني بهذه الحدة، فأنا كما تعرف لم أكتب في الموضوع اللبناني فقط، وقد تكون «مستر نون» هي روايتي الثانية أو لنقل الثالثة على مجموع سبع روايات، تتناول الوضع اللبناني. الروايات الأخرى ومن بينها مثلاً «باص الأوادم» أو «لغة السر» تتناول سردية عربية بامتياز، فنحن في الروايتين في قلب المشهد العربي، أو بالأحرى في قلب الشارع العربي الذي قد نقع عليه في القاهرة أو في بغداد أو في المغرب إلا أن هذا السؤال الخاص بهذه الجغرافيا الروائية لا يختلف كثيراً عن السؤال اللبناني المتصل بحربنا الأهلية، ولقد صادفت عدداً من القراء الذين أشاروا عليَّ بحدة تيمة العنف المختبئ في طيات المجتمعات العربية على اختلافها. الحقيقة أني كنت أشعر حتى وقبل انفجار الربيع العربي وما تلاه من انهيارات كنت قد حدست بأن ثمة ما يتهيأ للانفجار وأن ثمة هديراً كنت أسمعه بوضوح عندما كنت أكتب تلك الأعمال.

ولكي أعطي أمثلة ملموسة على ما ذكرت ثمة من كتب عن رمزية الرأس المقطوع في رواية «باص الأوادم» (صدرت عام 96) أو عن تطرف وعنف الشيخ الأكبر في رواية «لغة السر» (صدرت عام 2004) خصوصاً أن تلك الحقبة لم تكن شهدت بعد أو لم تكن حتى تنذر بعد بما سيؤول إليه لاحقاً العالم العربي الذي سيغرق لاحقاً في عنفه وفوضاه.

أنا ما أقوله هنا هذا من إيماني الصلب بأن الروائي غالباً ما يملك حدساً ينبئه أو يمنحه ملكة استشراف ما قد تؤول إليه أحوال العالم، والأمثلة في هذا المعنى عديدة جداً.

الانفصام يمنح الكاتب مبرراً للتراجع عن أي فكرة.. أو بتعبير أدق يمنحه سهولة في الإيهام – كما حدث في هذه الرواية – بأن الأحداث واقعية، أو غير واقعية، الأبطال حقيقيون، أو من نسج الخيال، لقمان عاش ثلاث حيوات، داوود هو ماجد، وإل دانتي هي مريم، بل إن مستر نون هو أو هي السيدة نون.. ما تعليقك؟

لو لم يكن السيد نون روائياً في الأصل لما أجيز له هذا الالتباس بين الواقع والخيال. السيد نون ليس أو لا يعاني من فصام نفسي بالأساس، ما سيستجلب عليه حالته النفسية المشوشة هي هويته ككاتب وأيضاً علاقته الملتبسة بواقع يعصى لهوله على الوصف. أنت عندما تكتب رواية فهذا يعني أنك تملكت الشخصية التي تكتب عنها، وتمكنت من الواقع الذي تصفه، لكن في حالة السيد نون الذي يحيا في لبنان، أي الذي عاش كل الحرب الأهلية ثم ما تلاها من تدهور وانحلال انتهى إلى انفجار مرفأ بيروت الذي عُد أقوى ثالث انفجار في العالم يسير فوق رمال تتحرك باستمرار، فلا الشخصية التي كتب عنها وهي هنا حصراً «لقمان» مرتزق الحرب المتقاعد، ولا الواقع اللبناني الذي هو عبارة عن سلسلة من الانفجارات المتتالية، سمحا للسيد نون أن يشعر ولو للحظة أن ما بناه في عمله الروائي بقي ثابتاً أو قائماً على حاله.

يُفترض في الرواية أن تجمد لحظة من لحظات التاريخ أو من لحظات الحياة في مسار شخصية ما أو بقعة جغرافية ما وهذا ما ليس معطى للسيد نون الذي سيعاود الالتقاء بوحش اختلقه وأماته في رواية سابقة أو المقيم في بلاد تتبدل أحوالها يوماً بعد يوم.

الرواية نقلت التحولات المرعبة في المعمار اللبناني، فقد غطت الستائر القبيحة العمارات والبيوت بعد أن كانت نماذج جميلة للتفرد والخصوصية، بألوانها المختلفة، وتمايزها، وترحيب شرفاتها بالآخرين، بينما أصبحت مدينة يغلق الكلُ فيها الأبواب والستائر على أنفسهم، كأن الجميع يهرب من الجميع.. هل أسقطت حنينك إلى المدينة القديمة على أجواء الرواية؟

مستر نون يصف ليس فقط تحول الداخلي وإنما تحول علاقته بمدينة راحت بأساليب أهلها الذين ازدادوا قباحة وتشوهاً يعكس إلى حد كبير التشوه الذي كان المواطن اللبناني يعيشه داخلياً. لا بد أن يكون لديكور المدينة الذي أصفه مثلما آل إليه في الواقع أن يحضر في المشهد الروائي ليواكب التحول الذي يعيشه مستر نون كمواطن وككاتب. يصف مستر نون في أولى فصول الرواية علاقته الاستثنائية بشرفة منزله حيث وجد له مكاناً في المنزل أو ضمن العائلة الصغيرة التي لم تكن تفرد له مكاناً فيها، فعلاقته المفقودة مع والدته التي فضلت عليه أخاه الأكبر والذي كانت تريده بنتاً لا صبياً جعلته يجد مكاناً أوسط بين الداخل والخارج، متمثلاً بإمضاء معظم وقته على الشرفة التي حولها إلى ما يُشبه غرفة صغيرة مكشوفة خاصة به.

كذلك مستر نون الكاتب الذي ينظر من نافذة غرفته حيث قرر البقاء وعدم الخروج إلى واجهات المنازل، حيث تختبئ الشرفات التي يُفترض بها أن تكون جسوراً ممتدة بين الخارج والداخل، خلف ستائر قبيحة يفعل بها الزمن فعله. يرى السيد نون أن ما يُرتكب بحق المدينة هو شبيه بتقطيع أوصالها وبتحطيم جسورها التي كانت قائمة بين فضائي العام والخاص، كأنما قرر أهل تلك المدينة، خوفاً أو قرفاً، أن يقطعوا كل أواصر الصلة بالخارج وأن ينسحبوا إلى دواخل منازلهم مشوحين بأنظارهم عن مدينة يُفترض أنهم أبناؤها.

ما الفارق بين بطلك مستر نون الذي رفض أن يتحرك مع أخيه سائد لزيارة أمه (ضمن أحداث متوهمة) وبطل ألبير كامو في «الغريب» الذي لم يكترث لوفاة أمه ومارس حياته ببساطة كأن أمراً عادياً وقع؟ وهل كانت تلك المقارنة في ذهنك وأنت تكتبين العمل؟

أنا لم أنتبه ولا أنتبه حتى الآن بعد طرح سؤالك عن وجود علاقة ما مع غريب ألبير كامو وهو من أحب الكتب إلى قلبي وأحب الكتاب، وبين علاقة مستر نون بثريا، أي والدته التي لا يسميها سوى باسمها، تركيزاً على إحساسه بالغربة عنها. لقد ولدت ثريا مستر نون ولفظته كما يقول كجسم غريب عنها، وهي قد اكتفت من أمومتها بإنجابها أخيه الأكبر سائد، الذي أتى مطابقاً لحلمها عنه. السيد نون لا يشبه توقعات ثريا عن طفلها الثاني، فهي قد رغبته بنتاً، وهي قد تخيلته بهياً فاتح البشرة كأخيه الأكبر إلا أن قدومه صبياً وعلى هيئة مخالفة لما تمنته جعلها تحجم عنه ولا تعامله كابن وإنما كشيء فائض عنها. لا يشعر السيد نون بأي برودة تجاه والدته بل هو تتوزعه مشاعر تتلون تباعاً وتتراوح بين الإحساس بالحزن والفقد والغضب وصولاً إلى محاولة رفضها كأم مثلما هي رفضته ابناً.

كان لا بد أن أختلق للسيد نون مثل هذا الماضي لأكمل رسمه ككاتب أعتقد أن الكتابة تأتي دائماً من شرخ ما، ومن اعتراض على الحياة التي تقرر لنا من غير إرادتنا، وعلى مسار الرواية سوف يتكرر هذا الرفض لمستر نون الذي سينتهي إلى رفض ذاته من خلال توقفه عن الكتابة كأنما هو بتوقفه هذا قد أعلن موته، وهو موت خفيف ومستحب بالنسبة إليه أكثر من الكتابة التي يسميها لعنة وناراً وتحرق الأحشاء، لذا تراني قد بدأت باستخدام شخصية لعازر التي أخرجها السيد المسيح من القبر في حين أن مستر نون يرى أن لعازر كان سعيداً ومرتاحاً في عتمة القبر وأنه مستاء من إعادته إلى الحياة بدليل أنه يسأل: «لمَ يا رب! وهل أتيتُ ما لا يُرضيك؟».

تبقى الرواية على طولها أقرب إلى نوفيلا، بل إن عالمها رغم اتساعه على لبنان وعلى أكثر من حقبة زمنية أقرب إلى أجواء قصة طويلة، بذلك التركيز الممتاز على شخصيات بعينها وانعكاساتها وعلاقاتها الصغيرة. ما رأيك؟

لا أوافقك على استخدام كلمة نوفيلا في توصيف «مستر نون» وإن كنت أوافقك تماماً على إبرازك خصائص مهمة من خصائصها، فكلمة نوفيلا تحيل إلى رواية قصيرة يُفترض ألا تتعدى صفحاتها المائة. «مستر نون» لا تدخل في هذه الخانة بل هي توازي في حجمها معظم الروايات التي تُكتب في يومنا. الرواية النهر التي كانت تُكتب في القرن التاسع عشر أو في النصف الأول من القرن العشرين لم تعد معياراً رائجاً لتحديد النوع الأدبي. ما أستشفه من كلامك، وما أوافقك عليه هو انضباط النص الروائي وخلوه ما قد يشوش عليه. أنا من محبذي الحذف والاقتصاد في العبارة إلى درجة لن تجد من بعدي إمكانية لحذف أي كلمة من جملة من دون أن ينتفي معناها.

أنا أخذت على نفسي عهداً منذ أن بدأت الكتابة أن أقدم البناء والإيقاع والصورة الكبيرة على ما قد يشوش عليها عندما تكون الجملة مطاطة مغتبطة بذاتها، انفصالية لا تقيم اعتباراً لدورها أو لمكانتها ضمن البناء العام، لذا تراني أعيد القراءة أكثر من مرة لهدف حذف كل ما ليس متواجداً في مكانه بالشكل الأفضل، وحتى أني أقرأ أحياناً بصوت عال بعض الجمل متنبهة إلى موسيقاها لأني أعتبر للرواية حتى موسيقى وإيقاع داخلي ينبغي أن يتم الالتفات إليهما.

أحياناً يُطلب إليَّ أن أرسل مقطعاً من رواية وكثيراً ما أجد صعوبة في فصل المقاطع عن بعضها البعض إذ تفقد عندما لا تتصل بما سبقها أو بما يليها علة وجودها وبالتالي جزءاً كبيراً من معناها.

إن كان طبيب الفقراء (الأب) انتحر معتقداً أنه ساهم في موت الأطفال الصغار، خلال الحرب الأهلية، بالحقنة المخدرة، رغم أن الفاعل ممرضة فلسطينية أرادت أن تريح هؤلاء الأطفال ونفسها، فلماذا انتحر أمام طفله الصغير «مستر نون» بإلقاء نفسه من النافذة؟

الحقيقة والد مستر نون وهو طبيب ابن عائلة برجوازية يخصص يوماً في الأسبوع لطبابة الفقراء من اللبنانيين وغير اللبنانيين وهذا ما لا يعجب أبداً ثريا ابنة الحسب والنسب. في علاقته مع مستر نون لا يقوى الوالد الطبيب على مواجهة الوالدة ورد إجحافها عن ابنها إلا بالتواجد إلى جانبه بشكل لا يضطره إلى مواجهتها. وسيصير شاهداً على مذبحة تُرتكب خلال الحرب في المخيم حيث يتوجه مرة في الشهر للاهتمام بأطفال المرضى. ذلك اليوم سيصادف هجوماً دموياً على هذا المخيم حيث ستُرتكب الفظاعات ويحتدم القتال. والد السيد نون سيكون عالقاً في المبنى المخصص للأطفال مع الممرضة وداد التي سبق لها أن عاشت إحدى مجازر الـ48 وهي لكي تسكت الأطفال ولا تلفت نظر المهاجمين إلى وجودهم تعطيهم جرعة منوم أمر الطبيب بإعطائها لهم، لكن ولأنها تعتقد أنهم لن ينجوا في مطلق الأحوال من القتل والذبح ولأنها لا تريد أن تكون شاهدة مرة أخرى على مأساة تقرر أن ترفع من منسوب الجرعة بحيث ينامون وتنام هي معهم بشكل أزلي.

هذا ما لم يقدر الطبيب المسالم على احتماله، أن يواجه مثل هذه الحقيقة القاتلة وهو موت أطفال أبرياء حتى وإن كانت اليد التي ارتكبت الجريمة يد بريئة. هذا ما جرى في المخيم كمثال عما كان يجري في البلاد في حينه وما شهده اللبنانيون برمتهم أياً كان انتماؤهم أو موقعهم الجغرافي. أجل لم يتمكن والد السيد نون من أن يحتمل هذه القسوة أو هذا العنف وببقي عالقاً عند تلك اللحظة كما سيعلق هو لحظة انتحاره في ذهن طفله القابع بإحدى زوايا الغرفة حيث كان.

السيد نون وإن أدرك لاحقاً سبب انتحار والده فهو لن يسامحه على تخليه عنه وانسحابه من مسؤوليته تجاهه. هذا جرح مستر نون الثاني، وجروح كهذه قلما طابت، وهي تستدعي تراكم جراح أخرى كثيرة فوقها.

تلك الشرفة كانت أيضاً هي نفسها النافذة التي ألقى منها القواد «جو» بحبيبة مستر نون «شايغا».. هل كان القصد جعلنا نشعر أكثر بالنفور تجاه ذلك التغير العمراني.. أقصد ذلك البرج الضخم الذي أنهى صمود منطقة سكن مستر نون أمام سطوة المعمار البشع الجديد؟

الآن لفت نظري بسؤالك إلى أن شايغا حبيبة مستر نون والعاملة النيبالية التي تلمه من الشارع وتعتني به تُرمى هي أيضاً من شرفة منزل مستر نون. قد يكون في ذلك تركيز غير واع مني على تكرار الخسارة وارتباطها في ذهنه بمكان معين دون سواه هو منزله، مسرح كل أوجاعه التي مهما هرب منها بالانتقال إلى أمكنة أخرى ستبقى تلاحقه أشباحها.

إن تركه لشقته في مرحلة ما من الرواية للعيش في غرفة فندق يردها إلى صعود برج عملاق يقفل سماء شرفته الصغيرة حيث قرر أن ينزل ويعيش. إن صعود هذا البرج العملاق في مساحة صغيرة كمساحة بيروت يعبر عن التناقضات الصارخة في مظهر مدينة ما عادت لها أي هوية عمرانية واضحة وهي بذلك باتت شبيهة بالعمران الداخلي لأهل هذه المدينة التائهين بين انتماءاتهم المتضاربة المتناحرة وهوياتهم المدمرة القاتلة.

لماذا تقبل مدينة كوزمبوليتانية بكل هذه الجنسيات وهذا التعدد وفي نفس الوقت ترقد على هذه الفظاعات التي عكستها الرواية؟

يجب أن أصف لك أحياء المنطقة التي يجول مستر نون داخلها بعد أن يكتشف وجودها عن طريق الصدفة فالمناطق التي أصفها، أي أحياء برج حمود والكرنتينا والنبعة وأطراف سن الفيل هي مناطق شعبية بامتياز ذات كثافة سكانية هائلة وتنوع بشري كبير. هذه المناطق رافقت تاريخ التحولات التي عرفتها مدينة بيروت وكانت في السابق تشكل أحزمتها.

في العشرينيات عندما هرب الأرمن من تركيا إثر حرب الإبادة التي شُنَّت عليهم لجأوا إلى هذه المناطق وبنوا مخيمات لا زالت الشوارع تحمل أسماءها إلى الآن، ثم مع نكبة فلسطين وصلت أعداد كبيرة من اللاجئين وأقامت في الكرنتينا في أكواخ مبنية من الصفيح، لكنها في مرحلة ما احترقت فانتقلت أيضاً إلى المناطق الأخرى التي ذكرتها، وفي الستينيات – المرحلة الذهبية لبيروت – بدأ عدد كبير من اللبنانيين يغادرون قراهم ويأتون إلى المدينة بحثاً عن لقمة العيش، فكانوا هم أيضاً يصبون في هذه المناطق الشعبية، وأخيراً بعد انتهاء الحرب وفي مرحلة إعادة إعمار بيروت تدفقت إلى لبنان أعداد كبيرة من جنسيات مختلفة كانت تأتي كيدٍ عاملة بخسة الأثمان، ثم مع فشل الربيع العربي وانتشار الحروب في المنطقة أضيف إلى كل تلك الطبقات أعداد من اللاجئين والهاربين من حروب المنطقة واستبداداتها. حين كنت تذهب إلى تلك المنطقة قبل انفجار بيروت عام 2020 كنت ستجد بالضبط النسيج البشري وخليط برج بابل كما وصفته من خلال جولات مستر نون في تلك المناطق.

لقد كانت عبارة عن مكب بشري عملاق لكل أنواع الهجرة والبؤس والشقاء وكل ملعوني الأرض إن صح التعبير، وفي هذا تتجاوز بيروت مكانها الجغرافي لتصبح نموذجاً مصغراً عن مدن كثيرة أخرى في العالم يأمها ملعونو هذه الأرض وفقراؤها المتزايدون يوماً بعد يوم. لقد أصبح بالمدن في العالم وجهان، وجه أمامي يتحلى بأفضل الصفات، ووجه خلفي تُحشر فيه القباحة والقسوة والبؤس التي بلغها عالمنا الحديث.

باستثناء ماري والأب في جانب منه (طبيب الفقراء) لماذا تبدو الشخصيات ثلة من الأوغاد تقريباً؟

تقول الرواية تقريباً هذه الجملة: كيف لك أن تبقى سوياً في بلاد لا يستوي فيها شيء؟ لذا لا بد أن يكون المجموع متورطاً بشكل ما أو بدرجة ما وإلا أصبح هو نفسه ضحية لمن هو أقوى منه. وحده السيد نون يسعى لأن يتفادى معركة ليِّ ذراعه هذه بأن يبقى شبيهاً بذاته، وهو ما سيقوده إلى نوع من الجنون وعجز عن استيعاب الواقع كما سميته أنت نوعاً من الفصام.

الجنون هنا أو الفصام كما أسميته هو انفصال عن الواقع أو لنقل بالأحرى القطيعة التامة معه، ورفضه بشكل كامل.

ما التأثير الأكبر في وجهة نظرك على مستر نون: انتحار الأب. عدم اعتراف الأم به وتفضيلها الأخ الأكبر عليه. هجرة ندى له بعد سبع سنوات.. أم قتل شايغا؟

كل حدث له تأير عليه في مرحلة من حياته، وهو سيقوده بالتدريج إلى ما وصل إليه. يزعم مستر نون في بداية الرواية أن له مقدرة على الاحتمال تفوق مقدرة أي إنسان لذا نراه مثلاً يلقي بنفسه للكمات وأقدام من يعتبرهم ضحايا هذا الزمن القاسي معتبراً أن أوجاعه الجسدية لا تقارن بما يعانيه من أوجاع روحية ونفسية . يقول إن ضربي سيتيح لهؤلاء أن ينفث عن بعض من غضبهم وكبتهم وقهرهم وسيتيح لي أن أنسى ذاك الوجع الذي لا أقدر عليه لأستبدله بوجع جسدي لن يلبث أن يزول مع الوقت.

إلا أن ما سيأتي تباعاً من أحداث لا تُحتمل فتقهر هذه المقدرة لدى السيد نون وستودي به إلى الانفصال تماماً عن الواقع.

ننتقل من الرواية إليكِ.. ما هو تأثير الحياة بين مدينتين عليك ككاتبة وإنسانة؟ وهل تفتقدين المكان الآخر دائماً؟

تأثير كبير على ما أعتقد خاصة وأني غادرت في عمر مبكر نسبياً وكان ذلك لإتمام دراستي السينمائية في باريس. البعد مفيد دائماً لأنه يتيح لك أقصى مسافة ضرورية للإحاطة بالمشهد العام، بهذا المعنى أستطيع القول إن ابتعادي عن لبنان وبيروت بالذات كوَّن لديَّ مقدرة على توصيف المشهد كاملاً وعدم الحكم عليه نسبة إلى أحد أوجهه دون الأخرى.

أيضاً لقد ساعدتني الثقافة الأخرى بالحكم على ثقافتي بتجرد لم أكن أملكه ربما سابقاً، كما مكنت علاقتي في بعض أوجه الثقافة العربية وجوانبها المحببة لديَّ وعلى رأسها علاقتي باللغة العربية، وذلك من خلال كشف قيمتها الجوهرية في تكويني ككاتبة، وفي سكني عالم الأدب والثقافة والفن.

أيضاً كانت باريس واللغة الفرنسية تحديداً نافذة جعلتني أطل على آداب العالم الأخرى وثقافاتها من دون أن أضطر إلى انتظار ترجمتها بالعربية أو إلى الرضوخ لآلية ترجمات لا تقيم بالضرورة اعتباراً لأذواقي الأدبية أو لما أنا باحثة عنه من أجوبة وقراءات.

في المقابل لا أقول إن الغربة ليست أمراً قاسياً أو صعباً، فهي في مكان ما بقدر ما تعطيك تأخذ منك وما قراري بالعودة إلى لبنان منذ عشر سنوات والبقاء هناك حتى مجيء الصيف الماضي وتدهور لبنان الذي أرغمني مرة أخرى إلى الرحيل مجدداً والعودة إلى باريس إلا دليل على ذلك.

ما أول حكاية في حياتك عرفت فيها أنك ستصبحين كاتبة؟ ومن هم الأشخاص الذين شجعوك؟

لم أعد أذكر كيف وقعت رواية «الطاعون» لكامو مترجمة إلى اللغة العربية تحت يدي، ولكني أذكر أنه كان تقريباً قراءتي الأولى لعمل صادم ما زلت أذكر حتى اليوم أجزاء منه بعيني طفلة العشر سنوات التي كنتها آنذاك.

لقد كان صادماً بالنسبة لي وكنت أرتعد من الجراذين التي كنت أراها تتنزه في الشارع أسفل بيتنا أحياناً كيف تمكن أحدهم من أن يصفها ويتكلم عنها كما لو كانت شخصاً له سلوك معين لا يشبه سلوكه هو نفسه في ظروف أخرى. أذكر مثلاً أنه في أحد المواضع يقول إنه ليس من عادة الجرذ أن يخرج من الجحر نهاراً أو أن يتجول في وسط الشارع، وقد سكنني هذا الوصف لفترة طويلة جداً، لست أدري لماذا، إلا أن الطريف في الأمر هو أن «الطاعون» عادت إليَّ بشكل آخر خلال الحرب اللبنانية حيث امتلأت المدينة بالجرذان التي كانت تقتات على الجثث والنفايات وكان ذلك مشهداً مخيفاً ومن مكونات المشهد العام في خضم الحرب الأهلية حتى أن خبراً ورد في وكالة الأنباء الفرنسية يقول إن بيروت اجتاحتها الجرذان، حيث يعد خمسة جرذان مقابل كل مواطن لبناني. لاحقاً عندما بدأت الكتابة وعاودني هذه المشهد واستخدمته في أكثر من موضع في كتبي وبالتحديد في روايتي «يا سلام» وبطلها لقمان الذي أستعيده في روايتي «مستر نون» والذي يقرر مع أصحاب له بعد انتهاء الحرب تأسيس شركة لإبادة الجرذان التي كانت تجتاح بيروت إلخ.

قدمت أكثر من 20 كاتباً من خلال «محترف نجوى بركات» وقلت بتواضع إن بعضهم صار أكثر شهرة منك.. هل التعامل مع الشباب يجدد دائماً من روح الكاتب؟

أتتني فكرة إقامة محترف الكتابة الروائية بعدما شعرت أن عالم الرواية تحول إلى مسودة كبيرة تختلط فيها معايير الجودة بمعايير الانتشار وبعدما أصبح النقد الموضوعي غائباً بشكل كلي عن المشهد الأدبي كنت يومها قد قررت أن أتوقف لحين عن الكتابة لإعادة التفكير في مشروعي الروائي وذلك بعد أن أتممت ما يشبه في ذهني ثلاثية مع «باص الأوادم» و«يا سلام» و«لغة السر»، حينها أيضاً كانت لديَّ رغبة في إعادة مد الجسور مجدداً مع العالم العربي وذلك من خلال التواصل والتفاعل مع شبيبته تحديداً. طرحت على نفسي السؤال وكنا في العام 2009: ما الذي تجيبين عمله يا فتاة؟ ووجدتني أجيب أن أبني محترفاً لكتابة الرواية يصاحب الكتاب الشباب ويعمل معهم على إنجاز مشاريعهم الروائية وصولاً إلى نشرها بعد أن تستوفي شروطاً معينة تتصل كلها بمستواها وجودتها، وهذا ما حصل. بحثت عن ممولين وبدأ العمل وقمت بدورة أولى وثانية وثالثة ورابعة تخللتها ورش مكثفة أيضاً ما زلت أقوم بها إلى اليوم وأنتج ذلك كله 23 رواية إلى الآن نشرت في أفضل دور عربية ومن بينها دار الآداب ودار الساقي ودار العين ودار الفارابي وقد نالت بعض هذه الأعمال جوائز أدبية، من بينها جائزة كتارا للرواية وجائزة الإمارات وجائزة المحترف إلخ، لذا حين أقول إن بعض هؤلاء الكتاب صار أكثر شهرة مني لا أكون أبالغ.

هل ترين برغم ترجمة أعمالك أنك كاتبة مظلومة وتستحقين اهتماماً أكبر؟

لا يُقيَّم الأدب في رأيي بهذه العبارات. أنا كاتبة مقلة في الأصل، وإلى الآن لم أنشر أكثر من سبع روايات بعضها أخذ حقه وبعضها الآخر لم يفعل، ولكني قانعة بهذا، لأني خارج دوائر التسويق الاعتيادية، من المشاركة في دعوات لندوات ومؤتمرات، أو التواجد في دوائر نفوذ إلخ، وأنا أحب موقعي هذا وأحرص عليه لأنه يتيح لي نوعية وقت جيدة للقراءة والكتابة وممارسة مهامي الأخرى كوني أيضاً أماً. ليست لديَّ أية مرارة حالياً في هذا الشأن خصوصاً عندما أرى المشهد العام من عل، وأتيقن كما يقول المثل اللبناني أنه لا يصح إلا الصحيح، فالضوضاء ستخفت يوماً ولن تبقى إلا الأصوات الأصيلة الحقيقية، وكلما خضت تجربة جديدة تجلبني إلى مناطق الضوء عدت منها ممنونة لعتمتي وبقائي في الظل.

……………….

*نقلا عن صحيفة “عمان”

مقالات من نفس القسم