منازل أسامة الدناصوري

منازل أسامة الدناصوري
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

بدايةً أستهل هذه الكلمة بتحية وتهنئة الشاعرين الفائزَين بالجائزة، والشاعرتين المنوه بديوانيهما في تقرير لجنة التحكيم.

أريد أن أتكلم هنا عن منازل أسامة الدناصوري، كما عرفته من خلالها منذ مطلع التسعينيات وحتى فارقنا إلى عالم آخر في بداية عام 2007. بدا لي أسامة دائماً كائناً بيتياً. كان بالطبع يتواجد معنا في المقاهي والمنتديات الأخرى، لكنه كان في أفضل حالاته داخل بيته. أسامة يكبرني بنحو العشرة سنوات، وكان هو أسبقنا للزواج والاستقلال ببيت خاص، وذلك منذ عرفته وأنا لا أزال طالباً في كلية الآداب.

الزيارة الأولى لبيت أسامة كانت مفاجئة وحزينة. شتاء عام 92، كنا في زيارة للإسكندرية أنا وأحمد يماني ومحمد متولي، ثلاثة صعاليك جامعيين يكتبون الشعر، وقد هبطنا على علاء خالد في بيت عائلته واحتللنا غرفته فيما ذهب هو للنوم في الصالون. وللصدفة الغريبة والحزينة يموت والد علاء في نفس الليلة، ويوقظنا علاء باكياً، وبعد تلقي الصدمة يفهمنا ضرورة الانتقال إلى بيت أسامة لتكملة الليلة هناك، إذ سيمتلئ بيتهم على الفور بالأقارب المعزين… وكنا بالطبع أكثر إفلاساً من امتلاك أجرة فندق لليلة واحدة.

ذهبنا لبيت أسامة قبيل الفجر، واستقبلنا بترحابه المعهود، وقضينا بعض الوقت نحاول تجاوز الصدمة بحوارات فلسفية عن الموت، ثم تركنا أسامة لنكمل النوم على أن نستيقظ مبكراً للحاق بعلاء وعائلته. وفي الصباح، وبعد إفطار شهي أعدته سهير، زوجة أسامة، وبعد الشاي والقهوة، كنا استعدنا الطاقة للازمة لمواجهة اليوم الحزين باجراءاته.

الزيارة التالية لذلك المنزل، الشقة الجميلة التي كانت تطل من الدور التاسع على محطة سيدي جابر، وبموقعها شديد الحيوية، كانت عند انتهاء العام نفسه. سافرنا من القاهرة للاحتفال برأس السنة 92-93  لدى أسامة في الإسكندرية أنا ومحمد متولي فقط هذه المرة؛ ولحقنا بفريق آخر سبقنا في التحرك من القاهرة كان يضم أروى صالح وشحاتة العريان وعبد الحكم سليمان، ومحمد مرسال، وإيمان مرسال. وهناك في شقة الأوس التقينا بمجموعة الإسكندرية كاملةً، علاء بالطبع، ومحمد ابو النجا، وعلي عاشور، ومهاب نصر، وحسني حسن، وعبد العزيز السباعي. الاحتفال استمر لأربعة أيام تقريبا بدلاً من الليلة الواحدة. كانت نقاشات عنيفة ومتواصلة عن الشعر استمرت طيلة تلك الأيام، مع خروجات قصيرة لبعض المقاهي، أو زيارة أخرى تاريخية لبيت الشعر الراحل عبد العظيم ناجي. كانت الفكرة الدائرة عن الشعر في تلك الحوارات – من وجهة نظري – أكبر واقسى مما يحتمله الشعر نفسه. وانتهت تلك الأيام الاحتفالية، بقران قاهري سكندري،  بزواج أروى صالح ومهاب نصر.

ثم انتقل أسامة إلى القاهرة عام 1994،و سكن في منطقة فيصل بالهرم. 45 شارع حسن الصبان، هل رقم 45 صحيحا؟ لا أذكر تحديداً لكنه ذلك الرقم المستدير كان قد ارتبط في ذهني بمنازل عدد من الأصدقاء والكتاب، فبيت عائلة علاء خالد السالف ذكره كان رقم 45  شارع ابراهيم راجي ببولكلي، وبيت الراحل الكبير إدوار الخراط كان رقم 45 شارع أحمد حشمت بالزمالك.

إذن فنحن في حي فيصل التسعيني الشهير. كان يسكن هناك وقتها، أحمد يماني، وإيمان مرسال، ومحمد بدوي، وهيثم الورداني. وكنا نقضي أيامنا متنقلين بين بيوتهم جميعا في أزقة هذا الحي، حتى أحمد حسان سكن هناك فترة.

شارع حسن الصبان كان يتفرع من شارع فيصل الرئيسي نفسه، عليك أن تدخل عند تقاطع يقع على ناصيته مسجد بُني على الطريقة الآسيوية، ومعرض للسيارات. ثم تسير مسافة ثلاثة مربعات سكنية داخل هذا الشارع الضيق فتمر في طريقك ببيت صغير من طابق واحد تتعالى من داخله أصوات تراتيل قبطية، ثم تواصل السير وتنحرف يسارا لتجد بيت الأوس. الشقة في الطابق الثالث على اليمين. أفرط أسامة في كتابه “كلبي الهرم.. كلبي الحبيب” في وصف المناخ المحيط للبيت والجيرة الصعبة، لكنه لم يتطرق للمناخ الداخلي لتلك الشقة، وركنه المفضل بها على طرف الكنبة التي على هيئة حرف إل، ذلك الموضع الذي كان يرفض بشدة أن يجلس فيه أي شخص آخر حتى ولو كان ضيفاً جديداً على البيت.

صارت تلك الشقة مستقرا لمجموعتنا لفترة طويلة، نقاشات وقراءات شعر، بل حتى أننا أقمنا نادياً أسبوعيا للسينما، لنتفرج كل مرة على فيلم جديد، أذكر من بينها الفيلم الإسباني “العشاق” وقد كان من منتخبات الفنان الكبير عادل السيوي. وقرأت مرة في عام 2000 للمجموعة روايتي “قانون الوراثة” كاملة ذات ليلة فور انتهائي من كتابتها، وهو ما يبدو لي الآن ضرباً من الجنون. ناهيك عن ولائم الطعام الشهية التي كانت تعدها سهير لنا بكرمها الباذخ وفنونها الرائعة في الطهي. سهير كانت حجر الزاوية في منازل أسامة، والروح التي كانت تضفي عليه سلاماً رغم كل آلام المرض التي كانت تواجه الأوس وتقلباته المزاجية. فلها مني كلّ التحية في ختام هذا الكلام.

وأخيراً أتمنى لهذه الجائزة الاستمرارية، وأن تواصل تقديم أصواتاً جديدة موهوبة للمشهد الشعري في مصر والعالم العربي، وأن تبقى بيتاً أخيراً لأسامة في الواقع، بعد أن غادر هذه الأرض.

………………….

*نص الرسالة التي ألقيت في حفل توزيع جائزة أسامة الدناصوري للشعر

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار