مائدةٌ واحدة للمحبّة .. بين الحكي عن الذات والعوالم التخييلية
محمد الغريب
السير علي أنامل حافية مليئة بحروف عذبة، أحاديث داخلية للكشف عن المكنون النفسي، تكشف الكاتبة الشابه أريج جمال في مجموعتها القصصية الأولى وفي تجربتها الادبية الأولى أيضا المعنونة "مائدة واحدة للمحبة" الصاردة عن دار روافد لعام 2014، وهي مكونة من إحدى عشر قصة قصيرة تمزج فيه الكاتبة النفسي بالآخر بالعالم، بموضوعات عن الحب والتعلق بالاماكن، وتنتقل إلى عوالم وشخصيات ثقافية تعيش في حياتها وتعبر عن تأثرها بها، وهنا يحاول هذا المقال إثارة شذرات نقدية عن بعض القصص والتعبير عن تدفق السرد والحكاية لدى الكاتبة.
الحكي المستمر عن الذات، تخيل شخصيات تبادل هذا الحكي والحديث، البوح الداخلي الصادق الذي لا ينتهي، تخيل الذات والاشياء والاخر احياء يتحركون، التعبير عن الداخل بشكل دائم، الاخر الذي يلتبس بشخصيات فنية محببة للذات الساردة، الآخر يمثل بديل حي لهذا التمني لحضور هذه الشخصيات، جماليات الآخر عندما يكون ملجأ احتواء لرغبات الذات.
تنقلنا الكتابة هنا إلى العوالم الخاصة للذات الساردة التي تستعين بهذه العوالم في مواجهة ما يؤرقها من الوحدة والفقد، والشعور بالاغتراب والرهبة من الأشياء، هذه عوالم فنية وثقافية تهرب لها الذات باستمرار لذا نجد تفاصيلها وحضورها المستمر، وهذا الاستدعاء والحكي عن الذات يتطلب لغه شاعرية حساسة وهو ما وجد بكثافة وبلياقة دون زيف وزخرفة.
الهروب في الكتابة من ألم خاص، الاعتراف بذلك وليس هناك خجل، ويصبح بذلك الكلمات قطعة خالصة من الذات، كلمات صادقة تود أن لا تعبر عن نفسها فقط وأن تصمت أن يصبح مجازيا وشعوريا أكثر من قراءة نص وكلمات وتواصل بينها وبين القارئ، وهنا يصبح الأمر التقليدي للقراءة ليس موجودا، فاهتزاز الذات القارئه والاحساس بألم الكلمات شعوريا أمر حتمي، ليس هناك فصل في السرد، فالخيط متصل، فالكاتبه تجعل الكلمات تبوح لوحدها، تداعي مستمر، الكتابة مفتوحه علي نفسها ، ليس هناك حد تقليدي، وشئ يتم صناعته، فالتلقائية والعفوية ملامح اساسية.
هناك أمر ما وحمل ثقيل تحاول الكاتبة تجاوزه، الازاحه الذاتيه لهذا الثقل تعبر عنه الكلمات بصدق، الازاحه الذاتيه شئ مزعج في الواقع، ومؤلم، يجعل الفرد دائما في حيرة وألم، يسير وهو يفكر في أمور ليس لها رابط أو ترتيب، عندما يتحول هذا الأمر في الكتابة، نجد انعكاسا صادقا للذات.
التيه في فرحينيا وولف، رائحة ثقافية للخلاص، التوحد مع ظلال حروفها ورواياتها، التخلي عن سؤال الوحدة والعالم وتكوين مستقبل من اجل هذه الظلال، تخيلها تعيشي مع الساردة تستيقظ معها وتسير معها، اطياف فرجينيا لا يفارق عالمها الاثير، تكتب مثل ما تكتب فرجينيا، تفكر مثلها، تريد ان تنهي حياتها مثلها، الهيام والتيه.
التعلق بالأماكن، عدم ترك ذكريات بيت عاشت فيه الكاتبة، تظل تراقب أطياف تفاصيل البيت، ولا ترحل عنها، تظل تحكي وتسرد لنفسها عن أدق همس البيت في خيالها، البيت كوعاء كامل للحياة، الميلاد والكبر والوعي والادراك، البيت كائن حي لا يموت يعيش ويشغل الذهن، ويتحرك في الأحشاء، ولا يتوقف عن النبض والالحاح للحديث مع الساردة، يحكي معها ويبكي معها، اذا تركته، يذهب ورائها ولا يتركها وهي ايضا تستقبله بحفاوه، البيت جغرافيا انثوية في ثنايا العشق، وتقول الساردة يا بيتنا، كان يمكن للدنيا ان تصير اجمل، ان تكون ملساء علي غربتنا، كان يمكن ان تصلح عوجاجنا من غير أن تقصمنا..
تري الحب اندفاع نحو الآخر، التعايش معه، الرقص والمرح بشكل غريب، كل شئ غير مفهوم ومريب تريده في الحب، تريد أن يقول عليها الجميع شاذة لا تماثل أحدًا، تريد حبا فريدا جديدا لم يظهر من قبل، تبحث عن الحب المفقود في العالم الذي لم يشعره أحد قبلها، تريد الخلود واللامرئي في الحب، الساردة تعيش حبًا مجنونا مشتعلًا كله جديد، ليس به هدوء أو روتين، لا تريد لشئ في الحب لا تتذوقه، تريد للحب أن يكون عالم جديدا من عوالمه الأخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتب مصري