أثر النبي .. بالحب أرسلت النبي ..

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ولاء الشامي

كيف كان سيتأتَّى لشخص بمفرد أن يلم شعث قبائل متنافرة متناحرة،إلا إن كانت وراءه قوة إلهية جبارة،قادرة على جمع كل هذا الاختلاف تحت راية واحدة"وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"الأنفال  (63)

بعث النبي–صلى الله عليه وسلم– في زمن ضعف فيه تأثير الديانات على أصحابها فلا تنهاهم عن منكر إن فعلوه،اللهم إلا قلة تمسكوا بالحنفية أو المسيحية، فحمل على عاتقه ثقل رسالة لا مفر من إيصالها لقوم أصموا أذانهم وأبوا إلا الشرك، ليهدى الله به من فتح قلبه لنور الحق،ويظل من عاند على سواد قلبه وضلاله"هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ"الجمعة 62

" حليمة انتبهي لقد أخذت نسمة مباركة " يقول زوجها

يبتسم النبي-صلى الله عليه وسلم-قائلاً: "أمي..أمي"ثم يبسط لها طرف ردائه حتى تجلس عليه،وسط حيرة الصحابة من تعبيرات النبي.

تبدأ القصة من هنا "كان عبد الله يسابق الريح مدفوعا بمشاعر تجاه آمنة التي طالما خبأها حتى اطمأن على مصيره فطلبها للزواج"نجا من الذبح ومات بعد أن افتدي بشهرين" لقد أمهله الله حتى يودعني هذا الجنين،قالت آمنة"، فانتقل النور من وجه عبد الله إلى رحم آمنة،كان والدا النبي ممن أدرك التوحيد ببصيرته فكانا على دين إبراهيم.

"إن صح ما أبصرتُ في المنام

فأنت مبعوث إلى الأنام

تبعث بالتحقيق والإسلام " نظمته آمنة قبل موتها.

تقرر مضطرة أن تأخد أي طفل تجنباً لنظرات السخرية أو الاستعلاء من قريناتها المرضعات،لكن يتدفق اللبن في صدرها بعد أن كان قد جف،فتسعد بالطفل أيما سعادة،وترى في حضرته الخير الوفير،كان النبي-صلى الله عليه وسلم-لوجوده بركة ظاهرة،حتى أحبه كل من حوله وآمنوا بأن الخير موصولاً به.

"دنت منه حليمة تتأمله،وطالت نظرتها إليه وهو نائم،وبينما تقترب منه لتحمله فتح النبي عينيه فجأة فشعرت برهبة،فابتسم لها،فسكنتها المحبة إلى الأبد"

 إن نظرنا قليلا في سيرة النبي–صلى الله عليه وسلم–سنجد أن إرثه هو "الحب"،وفي المجموعة القصصية "أثر النبي" يسلط عمر طاهر الضوء على هذا الأثر من خلال مواقف الحب في حياة المسلمين الأوائل من أهل بيت النبي وصحابته،من خلال قصص قصيرة من وحي السيرة كتبها بأسلوب أدبي جميل وخلصها من العنعنة واللغة المقعرة ليحولها إلى حكايات إنسانية شديدة التأثير معتمداً على جودة الحكي،تصادف أنها تسرد  حياة اثني عشر ممن عاصروا النبي – صلى الله عليه وسلم- وكيف كان لوجوده في حياتهم بالغ الأثر عليهم فتحولوا من الظلمة الشرك إلى سعة نور الإيمان،كان نصيب النساء في القصص هو الأكبر فتسع من القصص خصصت للنساء مقابل ثلاث قصص فقط للرجال " زيد بن عمرو – ابو ذر الغفاري- حاطب بن أبي بلتعة "

" أيها الناس إني أجرت أبا العاص بن الربيع " زَينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم تفدي زوجها الأسير بقلادة خديجة التي أهداها إياها، وأهدتها بدورها لزينب،زوج وحبيب وابن خالة هو ما أدركه النبي مجرد ما نظر إليها يعرف القلادة ويرق لها،يُطلق سراح أبا العاص والدافع " الحب ".

"تعلمها أن الحب يصنع للإنسان جذورا تمنع الأيام من اقتلاعه "أمامة تتلقى هذا الدرس الغالي عن أمها زينب،ليس كلاماً فقط ولكن قصة بعد قصة الجد والجدة والأم والأب .

" نحن أُمّة أراد الله لها العِزّة،عمرو بن الخطاب"ها هو عمر بن الخطاب في طريقه إلى بيت فاطمة أخته والغضب يعمي قلبه والضلال لم يترك ثغرة فيه لينفذ منها النور،وتحدث المواجهة التي تنتهي بخيط من الدماء على أحد جانبي فم فاطمة،لتتكسر القسوة التي غلفت قلبه،وتتحقق دعوة النبي ويعز الله الإسلام بإحدى العمرين.

" عثمان بن عفان " يسر لرقية بنت النبي بأن القلب كان متعلق بأستارها منذ زمن طويل حتى وهي في طريقها لزوجها ( عتبة بن أبي لهب ) ينهار كليا لولا طمأنة كاهنة له بأنه سيتزوجها.

"سأحيي الموؤدة"هذا هو زيد بن عمرو ترى فيه كل أم طيبة من قريش منقذا لابنتها من مصير مشؤوم،الباحث عن الحق المنطلق في زمن الضلال استنادا على الأنوار التي أشرقت في صدره حتى قبل بعث النبي."اللهم لو أني أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به ، ولكنني لا أعلمه".

"فاطمة بضع مني،ويؤذيني مايؤذيها" طفلة تتعلق بثوب أبيها وقلبه،ترى ما يلاقيه بعينيها الصغيرتين من أذى المشركين،مليئة بالنور تشعر بأنها أم أبيها حتى تجئ عائشة رضى الله عنه وتملأ فراغ خديجة الراحلة،تذهب في مرة -رضي الله عنها- ذهبت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تذكر عائشة عنده فيقول: (يا بُنية: حبيبة أبيك).


" إن البكاء رحمة ، ومن لا يرحم لا يرحم "يبكي النبي حبيبه إبراهيم ويعلمنا أن بكاءنا على أحبائنا الراحلون نعمة،إن اتبعنا منهج النبي –صلى الله عليه وسلم- في الحب وتتبعنا مواقفه سننال السعادة كاملة.

لم يُفرد لخديجة-رضي الله عنها- قصة ولكن حضورها كان طاغيا في كل القصص،حضور من كان حب النبي لها رزق من الله " إني رزقت حبها"

(أما لمسة الحزن التي التقطها كشاعر يرى الزرقة أسرع الألوان للإمساك بعصب عارٍ يمر بعرض الروح )لأول مرة أقرأ عنحاطب بن أبي بلتعة في هذا الكتاب.

اعتمد في القصص على أسلوب القطع السينمائي فلم يتم الحكي بترتيب زمني بل كان يتم الانتقال في الأزمنة بخفة،  الربط بين القصص كان منسجما تماماً فقد تلحظ اسم لشخصية ما في قصة ثم تجدها بطلة القصة التالية ، ثم مع اكتمال قراءتك للقصتين تشعر بتكامل الأحداث ، بين قصتي (زينب) وأمامة مثلا، الشخصيات تحوطها هالة نورانية بالطبع في قلوبنا وأحسن ما فعله عمر طاهر أنه لم يمس هذه الهالة بسوء.

" كثيرا ما يسأل الواحد نفسه كيف كانت الأمور ستسير لو أن الدعوة هبطت على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في مصر "

لدي إجابة مختلفة تماما عما ذكره عمر طاهر،فإن كان بعث النبي في المصريين ،لكان هذا الدين بدعا وقصص وخرافات،المصريون شعب يحب الدين لكنه ليس "شعبا متدينا بطبعه" كما يقال لنا،بعث النبي في قوم لا يعرفون إلا أن يعدوا للحق عدته فالدين دين ورسوله يبلغ أمانته،حتى من عاند منهم كان يخشى بداخله أن يلتزم بما جاء به هذا الدين،كما نرى الآن من مهازل حول أضرحة الأولياء كنا سنرى ما هو أكثر فقط لو كان النبي مدفونا في أرض مصر .

أهل مصر يتبعون سلطانهم أحيانا بعمى شديد،وما يحدث الآن ليس منا ببعيد ،سجن يوسف في مصر وظلم،أوذي موسى في مصر

(ﻧﻔﻌﻨﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺤﺒﻨﺎ ﻟﺴﻴﺪﻧﺎ ﺍﻟﻨﺒﻰ ﻭﺁﻝ ﺑﻴﺘﻪ، ﻭﻟﻴﻐﻔﺮ ﻟﻨﺎ ﻋﻔﻮﻳﺘﻨﺎ ﺍﻟﺘﻰ ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﺑﺤﺴﻦ ﻧﻴﺔ ﻗﺪ ﻧﺘﺠﺎﻭﺯ ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﻠﻴﺎﻗﺔ فأﺣﻴﺎﻧﺎ ﻣﻦ ﻓﺮﻁ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ، ﻟﺪﺭﺟﺔ ﺃﻧﻨﺎ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﻧﺘﺠﺮﺃ ﻓﻨﻮﺳﻂ ﺍﻟﻨﺒﻰ بطفولة شديدة في أبسط الأشياء.. اللي "يحب النبي يسقف"!  )

فرط المحبة ليست مبررا لأني نتجرأ على النبي فنقول " اللي يحب النبي يسقف " فحسن النية لا تبرر البدع " احنا زارنا النبي " أو من يسمي " عبد النبي " أو من يقول " يا جمال النبي " ومن يحلف " وحياة من نبي النبي "

ولحكمة يريدها الله وكما عبر عمر طاهر "نشأت الدعوة في محيط الكفار قساة القلوب شدت أزر الدعوة وجعلتها تشب صلبة عفية "فكان خيراً لها أن نشأت في هذه البيئة لتستقر وتنتشر في أرجاء المعمورة،كما كان لشمس الصحراء والعزلة والنشأة في قوم أشداء دور كبير في نمو روح النبي-صلى الله  عليه وسلم- تدريجيا بشكل مميز.

يقال"النبي قبل الهدية"وهل هناك هدية أجمل من كامل نسبة ربح الكاتب المستحقة من بيع الكتاب عائد كله إلى بنك الطعام،فجزاه الله خيراً على هذه السابقة الجديدة في دعم العمل الخيري،خاصة وأن كتبه تتصدر قائمة الأعلى مبيعًا.،فتكتمل للقارئ متعتان : متعة القراءة الخالصة ،وهل أمتع من ساعة يقضيها في رحاب النبي وآله وصحبه، وشعوره بأنه جزء من عمل خيري مفيد.

اللهم وارزقنا شربة هنيئة من حوض النبي بيده الشريفتين، لا نظمأ بعدها أبدا.

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 كاتبة مصرية 






مقالات من نفس القسم