ناهد السيد
أغوتنى شجرة صغيرة لشرائها، لم أر لها مثيلاً، تثمر زهورا بنفسجية منمنمة تتلاصق بجوار بعضها البعض كأنها عنقود من البنفسج.
ومن شدة حبى لها وارتباطى بها وخوفى من إهمالها لتنحدر صحياً وتفقد نضارتها رحت أعتنى بها كل صباح ومساء، ظناً منى أن الماء روحها، ولما وجدتها ذات مرة تذبل وتتدلى أوراقها نقلتها إلى مكان يرى الشمس والضوء، لم أغفل عنها لحظة، أحدثها وأستشعر ردها على .. المدهش أنى من فرط اهتمامى لم انتبه لتغيراتها الفسيولوجية والبيولوجية، فجأة انتبهت أنها فقدت زهورها منذ زمن، وتغير شكل أوراقها للأكبر، ظننت أن هذا تطورها الطبيعى، وصارت عادية.. من شده اهتمامى كفت عنها بصيرتى وجحظ بصرى. تبدو جيدة للناظرين، الذين لم يروها من قبل ويعرفون روعة ما كانت عليه .. صار جمالها بليداً، معتاداً مكرراً مملاً.. هكذا تقترف يدانا بمن نحب!
نهتم كالأمهات.. نعطى كالملائكة . نسامح كالأنبياء ولا نأبه للطبيعة البشرية، لا نمنح الجنس البشرى فرصة للتعبير عن الذات والرفض والتعلم من الأخطاء. وليس غريبا أن تلام على فعلتك، لا تعتبر ما قدمته إحسانا له، بل كارثة فى حق طبيعته البشرية، يكفى أن نوفر لأبنائنا وأحبابنا بيئة صحية، نضرب جذورهم فى الأرض الصالحة للنمو.
نصبح فعلا أرضا صلبة لهم لا نخطئ من أجلهم، “نجى على نفسنا ونعمل الصح قدّامهم” لكى نصبح قدوة، التعليم والتربية بالاعتياد والتكرار، لا نفرط فى الري ولا نبخل به، ولا نكتفى بالرش والجذور شرقانة .. بمعنى أن تترك له مصروفه وتسأله كل صباح “ها، أخبار المذاكرة؟ كويسة” تسأل وتجيب ولا تبالى بإجابته ولا تنتظرها حتى، وتسير إلى وجهتك.. ثم تلومه أنه صار فاشلا عاطلا متوحدا كسولا.
نحن من نصنع جيلا فاسدا، لا تلوموا الشباب، إنهم مساكين، ضحايا أمراضنا النفسية وطموحاتنا التى لم نحققها وننتظرهم يحققونها، نتعامل معهم بصيغة الأنا العليا.. وإن منحناهم حرية لم تكن بنية التربية السوية ولكن لمداعبة أنويتنا ليصفق لنا الجميع وينعتوننا بالحضاريين، ومن أجل نية خفية أخرى وهى أن ننفض أيدينا من مسئولياتهم التى أحنت ظهورنا، بعد استشعارنا أيضا أن سنين العمر “تتسرسب” لصالحهم، يعنى نوعا آخر من الأنوية، ونترك من أيادينا حبال الحرية، ليصيروا طلقاء بلا بوصلة.
يكفى أن تكون إنسانا سويا لكى تنتج أسوياء.. الملام هم نحن تربية آباء لم يروا نور العلم، وقرى فقيرة، وحرمان .. نحن المرضى وليسوا هم .. لابد أن نعالج أنفسنا ونتأمل صلاحية نفوسنا وعقولنا قبل أن نفكر فى الزواج والإنجاب.
لا ألوم شجرتى على تغيير طبيعتها ومسار حياتها فقد تأثرت بى وانصاعت لخوفى وانكمشت فى حضنى وتركت حياتها لأجلى، مع أنى إذا تركتها لطبيعتها واكتفيت باستمتاعى بها كما هى وتدخلت فقط من أجل رعاية طبيعية وبوعى كاف لأصول الزراعة والتربية والنمو لكانت أعطتنى ثمرا أفضل وجمالا أروع.
لا رجعة فيما حدث ولا ندم يمر دون ترك أثر، ولكننا كبشر نملك من التحدى ما يجعلنا قادرين على إصلاح الأمر حتى ولو لم تعد لروعه أوراقها، لكن مجرد محاولاتنا لاستخراج ثمرها البنفسجى مرة أخرى كفيل أن يمنحها القوة لاستعادة حياتها، وهذه المرة لا تستفتوا قلوبكم. حكموا العقل، راجعوا أنفسكم واتركوا التكبر والأنويه جانبا، توسلوا للرب بالدعوات والصلوات لكى تعود شجراتكم مزهرة وتتشابك عناقيدها فى خصلات مبهجة كما عهدتموها، لكى لا يكون بنفسجكم حزينا، فقد اعتدنا على السؤال غير المنطقى ” ليه يابنفسج بتبهج وانت زهر حزين””، ولم ننتبه لسؤاله عن سبب حزنه!