هلا غفرت لي يا مصطفى أني حسدتك!

ناهد السيد
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ناهد السيد

لا تنشغل إلا بذكره. هكذا تعلمت، وهكذا أسير. أعلم أن الله يعطى فقط.. لن يأخذ منك إلا ما يعلم أنه سيؤلمك. عما قريب منذ يومين كان فى بيتنا سباك استمع الى مكالمة بينى وبين سيدة جميلة اعتادت أن  تطمئن على من حين لآخر، وطالت المكالمة لأنها لم تحدثنى منذ شهر. وكانت إجاباتى عن المرض ومغامراتى مع المتبرعين بالخلايا الجذعية الذين تفتحت أعينهم الآن ليطلبوا مقابلا ماديا، كفيلة أن تجعل مصطفى السباك يدرك حالتى، ويفزع من تلك السيدة التى تقف بكامل قوتها إلى جواره، وتفكر معه فى سبب العطل وتخبره أنها حاولت إصلاحه بنفسها، هذه المرأة بكامل هيئتها الجميلة ماهى إلا غلاف خارجى يضوى بهجة، من شدة ما يخفى من زجاج مفتت فى الداخل، يملأ أوردتها، بينما هى تبتسم فى وجهه وتقف مستندة إلى جدار غرفة ينام بها أصحاء البيت، تخشى أن يقلقهم صوت الإصلاح.

أنهيت مكالمتى لأجد وجهه شاحبا، يبلل شفتيه بلسانه بصعوبة كأن ماء جسده تبخر فجأة.. أشفقت عليه وطمأنته قائلة: لاتندهش يا مصطفى أنا بخير الآن بفضل الله.. أمشي أتكلم، أشكو،أنام،أحلم، والفرق بيننا أنك تعانى ألما من كثرة جهدك فى العمل.. بينما أعانيه أنا  من مرض.. إذن كلنا يعانى ولكن ربنا قادرأن يخفف عنا إذا صبرنا.. أنت تحتمل فصال العملاء وعدم تقديرهم لجهدك رغم إخلاصك فى عملك وأمانتك وبذلك جهدا عظيما لكسب ثقة العميل لكى تضمنه مدى الحياه فى عمل يغنيك عن السؤال، وينصب عملى أنا على آخرتى.. فأنا اجتهد لترك إرث طيب، سيرة حسنهة عطاء يجعلك تذكرالله..أعمل كأن موتى يحين بعد ساعة.. لذلك أظل مشغولة فى الحكمة من تأخير الموت.. هل أرادنى الله أن أحسن إلى أحدهم أو أنصح أحدهم. وأبدأ فى البحث عما يريدنى الله أن أفعله.. وبتلك الطريقة لا أهتم بالألم..

بكى مصطفى، لكنى ابتسمت، ابتسامة الانتصار بأن مهمتى لهذا اليوم انقضت مبكرا ورسالتى وصلت لمصطفى.

انتظروا… لم ينته الأمر بعد، فقد اتصل بى مصطفى بعد مرور يوم ونصف وكان صوته يفيض بالمحبة والبهجة، وأخبرنى بدون مقدمات وديباجة لا يجيدها أمثاله أن – للأسف- فصيلته  ظهرت مختلفة، و قبل أن أبتئس..سارع بالخبر الذى اعتقد أنه سيحملنى على جناحى السعادة وقال بثقة الطيبين “اخويا ٢٣ سنة، وطلعت فصيلته زيك وهو معاكى أن شاء الله”.

لم يدرك مصطفى أن فرحتى ليست فى إيجاد المتبرع، الذى لم أطلبه منه أبدا، ولم نتفق ضمنيا على أنه سيبحث من أجلى، وليست فرحتى بنجاح مهمتى أن أكون سببا فى هداية أحدهم للرحمة، لطاعة الله، لتقديم القربان.. ولكنها السعادة بثقتى فى تدابير الرب.. حيث اختار مصطفى الوحيد فى قائمة السباكين  الذى أجاب على الهاتف، والذى سارع بالقدوم فى التاسعه صباحا الذى جعل صديقتى التى لم أسمع صوتها منذ شهر أن تطيل الحديث بما يكفى لإمداد مصطفى بالمعلومات الكافية لحالتى، والذى اختاره -والمختارين أحباب الله حتى لو لم يتبرع-

ما يفرحنى يا مصطفى ليس أنك وجدت لى متبرعا، بل إنك سعيت لأجلى فى صمت، نواياك من فعلت كل شىء، وتحملت تكلفة تحليل فصيلة لك ومن بعدك لأسرتك حتى تجد من يناسبنى منهم.

أى انسان أنت !.. وكنت أظن أنا من تفضلت عليك بهداية أنت فى غنى عنها.. فأنت المختار هذه المرة لست أنا بطل تلك القصة

قد لقنتنى درسا فى الفضيلة، بطريقتك التى أتيتنى بها محملا بثقل العارفين بالله. لغة الطمأنينة. تقديم المشيئة. فرحتى يا مصطفى ليست فى نجاح مخططى لنشر رسالتى.. فرحتى الآن بأنك كنت رسالة ربى لى ليطمئننى بصوته الحنون (لا تحزن إنّا لمنجوك) أنت  أكثر منى إيمانا، لبيت نداء الله ولم تفكر لحظة، استغفر ربى الآن أنى وقعت فى شرك الحسد، لأنك الأقرب منى لله، فقد أحسن اختيارك وتفوقت أنت فى اختباره لك.. هلا غفرت لى يا مصطفى أنى حسدتك.

مقالات من نفس القسم