ثلاثون يوماً.. وعشرة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 102
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ناهد السيد

أربعون يوما بالتحديد؟ ثلاثون يوما وعشرة.. لماذا؟ هل هى فترة مدروسة لإعادة جدوله أوراق الحياة، هل هى فترة تكفى لكنس الذنوب فى الفترة التى تسبق انقباض الروح؟.. وهل هى مدة تكفى لكحت الحزن من القلوب بعد فقدان عزيز؟ ما السر فى الرقم أربعين.. لماذا تظهر الأمراض بعد هذه السن، ولماذا يبدأ النضج فى هذه السن، وتصبح المرأة فى كامل أنوثتها، ويعيد الرجل ترتيب أوراقه ليعيش مرحله التصابى والمراهقة مرة أخرى بشكل ألذ وأطعم بعد أن نال كفايته من خبرة فى المراهقة الأولى؟

 شهورى أصبحت تقاس بالأربعين يوما.. أعيش الآن فى تلك الفترة التى تسبق الموت بأربعين يوما، و كلما مرت  بسلام .. أبدأ فى العد من جديد فربما تخطانى ملاك الموت هذه المرة ليلحق بموكب وفاة فجائية لامرأة انسلت روحها من بين أصابع حلمها وهى تعبر الطريق سارحة فى أول شجار لها مع حبيبها، وربما تخطانى فى المرة الثانية بسبب انزلاق قدمه على عتبة عجوز عانى عذابات المرض فقبض روحه برحمة، ثم انشغل بخبطة قدمه وأجل مهمته معى لحين احسن أحواله الصحية، وربما توعكت أمعاؤه بعدما امتص جزءا من أنفاسى المحملة بسموم  خيباتى وفشلى، أو وقفت فى حلقه مرارة أيامى، وربما كنت عسرة الهضم نظرا لقسوة صبرى وعزيمتى، فلم يتحمل أن يعتصرنى.

أربعون يوما يقضيها إلى جوارى مستقتلا لتنفيذ مهمته، وبكل بسالة يدهس امتداد بصرى، ليحجب عنى المستقبل، ليس مسموحا لى بمستقبل.. أنت تلعبين فى أيام معدودة.. أى مستقبل تريدين؟

لديك ما يكفى من الوقت لنفض الأحلام المعلقة فى طرف جفنك، لكحت مخيلتك من صور اختزنتها لعرس بناتك أو (تقاطيع) حفيدتك التى  تمنيت أن تشبهك.. يالك من بائسة!

أعيش الأربعين يوما.. لا شغلة لدى سوى تجريف ذنوبى  من أرض لم أكمل عليها الأربعين عاما، أتجهز للحظة الأخيرة، منشغلة بتعليم بناتى أصول الطبخ وترتيب البيت وتنظيم الأدراج، وبعضا من حكايات طفولتى البائسة لعلهم يتفكرون! أنى صنعت لهن حياة أفضل مما عيشتها! أنى أجتهدت بكل ما أوتيت من قوة لكى يحيوا حياة طازجة! لم أترك لهم فى وصيتى مالا وأملاكا تكفى لمستقبل زاهر، ولكنى حاربت لكى يملكوا الموهبة.. هل يغفرون لى خطيئتى هذه؟ هل كنت أما بائسة تستبدل النقود ورونقها وصوتها ولمعتها بشعارات الأخلاق شاحبه الملامح منتهيه الصلاحية لأملأ بها حصالتهم؟

فى كل يوم من الأربعين يوما أتلون ..أغير جلدى، وربما احشائى لكى أرضيهم وأصبح أما تستحق الدعاء لها، لكى أضمن دموعا تبلل القلب لا تطرف العين فقط، لكى أضمن ألا تخشى إحداهن البكاء خوفا على سيلان سواد الماسكرا.

أعتصر قاموس كلماتى المهذبة حينما يطلب منى التعامل مع خطأ أخلاقى، أبدل طبقة صوتى السوداء كريش الغراب بشدو العصافيرحينما أبدأ فى النصح، أتحمل الجز على أسنانى وقت الغضب التى لم يتبق منها سوى الطقم الأمامى الذى صنعته بتكلفة كانت تكفى لنصب عزائى، ولكنى وقتها كنت على وفاق مع ملاك الحياة، كنت لا زلت أملك بعض الوقت، فكان لاضير من امتلاك ابتسامة (هوليود) المزيفة لتبرق فى عين ملاك الموت فينخدع، فكانت فخا ليظن أنى سليمة، أملك أسنانا براقة وابتسامة توحى بالأمل.. لا أعرف كيف عرف الآن أن اسنانى مزيفة، ربما سقط فى يده طبيب أسنانى واعترف له قبل أن يقصف عمره، ربما فتنت له مرآتى وأخبرته عن نزيفى الصباحى الذى يلوث فرشاة أسنانى، والذى ينذر بأن لثتى لم تعد تحتمل هذه التركيبة المزيفة.. ها قد حان وقت التعرى من كل زيف، حان وقت سقوط الأقنعة.. وأصبحت فى حضرة الموت.. ضيفا عليه لمدة أربعين يوما، أتمنى ألا تزيد.   

 

 

مقالات من نفس القسم