لماذا لا ينصح الكُتّاب بقراءة معاصريهم؟

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
طرح أحد أهم الصحفيين الثقافيين الإسبان خوان كروث، في مقال له بجريدة الباييس الإسبانية، سؤالًا ملفتًا عن تجاهل الكُتّاب لزملائهم عند تقديمهم نصيحة للقراء بقراءة أعمال بعينها لأهميتها، مستدلًا على ذلك بأسماء كبيرة في عالم الأدب. هنا نص مقال كروث.  

عندما كانوا يطلبون منه ترشيح كتاب للقراءة، كان كارلوس فوينتس يمتلك استراتيجية وتكتيكًا ليتجنب الفخ. عادةً ما كان يجيب بأنه يعيد قراءة أعمال سابقة، وأن كُتّابه المفضلين هم بلزاك وفلوبير، كاتبان من القرن التاسع عشر، وفوكنر، الذي سبقه بقليل. غير أن فوينتس لم يكن وحيدًا في هذه التفضيلات،فمن الطبيعي وجود اسم بلزاك وفلوبير وفوكنر من بين ترشيحات القراءة خاصة في إجازة حفلات الكريسماس والإجازات الصيفية. لكن من النادر أن يتجاوز الكُتّاب هؤلاء لينصحوا بكتاب معاصرين لهم، سواء من سنهم أو يقتربون منهم في أسلوبهم. لماذا يحدث هذا؟ لماذا من الصعب أن ينصح كاتب بقراءة كاتب حي أو من جيله؟ 

الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون قال لفوينتس، ذات مرة وفي حضور جارثيا ماركيز، إن كتابه المفضل هو “دون كيخوتيه”، وإنه يحب فوكنر، وإنه يعبد “مئة عام من العزلة”. لا أحد يستطيع أن يناقش تفضيلاته، لكن ملفتًا للانتباه، لندرته أن يمدح أحد كتاب كاتب في حضور كاتب آخر. هذا غير معتاد خاصة بين الزملاء، لكن بما أن كلينتون ليس زميلًا، رغم أنه كتب مذكراته، فلا يدخل في المعضلة

ثمة عُرف غير مكتوب، بين الناشرين، وحتى بين المكتبيين، أنه أمام كاتب لا يصح الكلام(على الأقل الكلام الكثير) عن كاتب آخر، لأن إصدار أحكام قيمة قد تسبب إحراجًا للكاتب الحاضر، بالتالي تحتاج هذه الحوارات إلى لفات تسمح بالتحقق من ذوق المتكلم دون الوصول لمنح ميدالية التفضيل للكاتب الغائب.

من أجل ذلك في كل الاستفتاءات (مثل الاستفتاءات الحالية وفي هذا التاريخ تحديدًا، مثلما يقول خوان مياس “تنفجر في كل الصحف القومية”) ينصح المؤلفون بقراءة كتب من أزمنة أخرى، ويختارون الماضي البعيد الذي يشمل الكتب الكلاسيكية مثل الكتاب المقدس وشيشرون، حتى الماضي القريب، مثلما فعل كارلوس فوينتس. إن كان أمامك اختيار بلزاك، فلما تختار، مثلًا، سيرخيو دل مولينو، الذي لا يزال شابًا وبالإضافة لم يقدم لك أي معروف؟

لكن الوضع لم يكن دائمًا هكذا، إذ أن جيل “الانفجار اللاتيني” أصبح له تأثير الانفجار المتعدد بفضل كارلوس فوينتس لأنه نصح، مثلًا، بقراءة خوليو كورتاثر، كما نصح كورتاثر بقراءة فوينتس. هنا تبزغ ظاهرة أخرى: كُتاب يتبادلون النصح بكتب بعضهم البعض ما ينتج عنه تحقيق صدى واسع لهذه المجموعة من المؤلفين، الذين كانوا صغارًا حينها، ثم حفروا اسمهم في التاريخ مثل ماركيز ويوسا.

حدث أيضًا ظهور كتّاب لم يكتفوا بنصح قراءة أعمال بعضهم البعض، بل أيضًا بقراءة الكتّاب الأصغر منهم، كما فعل خوان بينيت وخوان جارثيا أورتيلانو مع خابيير مارياس وفليكس دي اثوا ومانويل دي لوبي وبيثنتي مولينا فويكس، إذ ظهر هؤلاء في سوق كتابة مكتظ، حتى كادت أرفف المكتبات أن تنفجر من كتب الأدب.

 وماذا يحدث الآن؟

أعتقد أن المنافسة تكمن في “من يصل اولًا” وكل منهم ينظر للآخر بشكل مفرط. ونتيجة ذلك، هذه الاستفتاءات التي يتضح منها أن الكاتب يبحث عن أي حيلة للوجود.

أتكلم عن ترشيحات الكُتّاب. أما ترشيحات النقاد فأمر آخر، إذ يفعلون ذلك أسبوعيًا في الجرائد التي يكتبون فيها. هم يرشحون لأنها مهنتهم، لكن الكتّاب غير مضطرين لذلك ويمكنهم اتباع استراتيجة كارلوس فوينتس واختيار بلزاك وفلوبير وفوكنر.  

 

مقالات من نفس القسم