لص المناديل المبللة

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 شريف الغريني

كان ذلك اليوم الاول بعد عودتى من برد الغربة ، كنت أسير فى الشوراع بلا هدف، أشعر وكأننى طفل انتكس بعد أن بلغ الفطام فعاد متلصصاً يتحسس ثدى  أمه وهى نائمة ،  صعدت إلى حافلة الركاب المارة  بشارع كورنبيش النيل ، رأيتها جالسة فى المقعد وحيدة ، جلست بجوارها ، شاهدت أطراف أناملها تحاول مسح دموعاً تتسرب من عينيها ، عندما زاد جريان الدمع ، أخرجت نظارة سوداء غطت بها نصف وجهها ، ومع ذلك تزايدت قطرات الدموع وتزاحمت على خدها أكثر فأكثر ،  أخرجت لها حزمة مناديل ورقية  كانت فى حيبى ،

وضعتها فى السنتيمترات التى تفصل بين ساقينا ،  امتدت يدها الى الحزمة  بعد تردد لكنها جذبت منها المنديل  تلو الآخر ، التقطت بيدى المنديل الآخير وكتبت عليه  سؤالا ،   قرأت مافيه ثم أدارته وكتبت على ظهره  : أتريد أن تشترى أسرار إمرأة ببضعة مناديل؟!!

عندما توقفت الحافلة نهضتْ لتنزل فى محطتها ،  التهمنى عبق مرورها عندما اقتربت منى ، ترددت قليلا ثم  نهضت واقفا بلا وعى خلفها وأنا مجذوب  بسحابتها السحرية التى أطفأت عقلى وأشعلت النار فى كل مستقبلاتى .

سرت وراءها  ثم توقفت  عندما توقفت مستقرة أمام السياج الحديدى للنهر ، تسمرت على اليمين بجوارها على بعد خطوتين منها ، لاحظت أن دموعها مازالت تتساقط ، انصرفت وعدت بعد لحظات وبيدي حزمة مناديل أخرى وضعتها على مسند السياج بجوارها ،  كانت قدمي تتحركان ناحيتها بلا وعي كلما تقاطرت دموعها غزيرة على وجنتيها ، أثناء ذلك كانت تنظر لصفحة الماء وأنا استمع لتأوهاتها المكتومة ونواحها المحرم  .. تذكرت اسطورة عروس النيل..   

أصبحت بجوارها تماما عندما لم يبق سوى منديل واحد ، أخذت القلم من جيبى ، كتبت على المنديل الأخير : ماذا تريد منى؟

قلت لها بعد أن قرأت : لا اعرف ، و لا أريد أن اعرف سر بكائك ، و لا أريد مطاردتك ، ولن اعرض عليك مساعدتى ، فقط دعينى كما أنا ..

كنت أغوص فى شعور  لم يحدث لى من قبل ، شىء غامض وممتع ورائحة جاذبة لا استطيع تمييزها ولم اعرف لها مصدراً ، لكنها كانت تتزايد كلما اقتربت منها.

توقفت دموعها و جفت  تماما ، فتحت حقيبة يدها ، بحثت  في محتوياتها مستخرجة علبة سجائرها  ، أخرجت  سيجارة اشعلتها ثم سجبت منها دخانا نفثته صانعة سحابة كللت وجهها ، تلفتت حولها لكنها لم تجدنى ولم تجد كومة المناديل المبللة بدموعها.

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون