نمر سعدي
قلبي قبَّرة خفيفة
قلبي قبَّرةٌ خفيفةٌ.. نورسٌ أعمى في مهبِّ البحر
والضجرُ مساميرُ هواءٍ خرقاء على حوافِ الجسد
حصىً تنبعُ من كنايةٍ مقلوبةٍ ألقي بها في نهرِ الزمن
الضجرُ رقصةُ درويشٍ متشرِّد في براري الله
يحملُ شمساً في قلبهِ وفراشةً في دمهِ
ويدورُ على قدمٍ واحدةٍ
الضجرُ متراسٌ فائضٌ عن حاجةِ عرسِ السرابِ
وعن حاجةِ الآمالِ الكسيحة
*
الصبايا الصغيرات
أقصدُ النساءُ اللواتي تزوَّجنَ في أوجِ الطفولةِ
تمرَّدنَ فيما بعد وأسلمنَ قلوبهنَّ للريح
هارباتٍ من الأقفاصِ الذهبيَّةِ ومن الأسرَّةِ الوثيرةِ
وأنا لا ريحَ لي لكي أترَّجلَ عنها أو أمتطيها
لا ريحَ لي ولا فرسٌ
لا نيلَ ولا فرات..
عندي شيء واحدٌ فقط.. هو القلق
ماءُ ليلي وخبزيَ اليومي
*
أعرفُ أنني مفرطٌ في كلِّ شيء
في الحبِّ والانتظار والحنينِ إلى اللا شيء
مفرطٌ في التأمُّلِ والوحدةِ كنباتاتِ الليلِ
مفرطٌ في تسلُّقِ شرفاتِ المدنِ العاليةِ
مفرطٌ في مزاجيتي المتقلِّبةِ كريحِ أيلول
أو كحفيفِ النجومِ البعيدةِ
مفرطٌ في ألمي الغامض والنشيط
كنشاطِ النملِ في ليالي الصيف
*
سأكونُ وحدي مثلَ رسالةٍ مهجورةٍ
في ثقوبِ السورِ والشجرِ القديمِ
مثلَ الوردةِ الزرقاءِ والدموعِ الصلبة
في شقوقِ نوافذِ النعناعِ
مثل الغيومِ في لوحات فان غوخ
وحدي في فراغِ الليلِ وفي استعاراتِ النهار
لا بيتَ لي وأسكنُ في بيتِ أغنيَّةٍ مجهولة
وطني أنثايَ.. وجحيمي المكفهِّرُ هيَ..
المسافةُ بينَ معنى الماءِ ولغةِ الفراشةِ
وانزياحِ عبارةِ الصوفيِّ..
*
مصلوبٌ من أخمصِ قدميَّ وقلبي مصلوب
من أوَّلِ ولهي حتَّى آخرِ أنفاسي
من نارٍ تنبعُ في شقِّ الكلماتِ
وفي غاباتِ دمي مصلوب
لي روحٌ تجهشُ في الفلواتِ
ولي قلبٌ بسهامِ اللهفةِ والرؤيا مثقوب
*
سينتصرُ شغفي عليَّ وشظفُ الحياةِ على الشعر
بينَ شغفي وشظفِ الحياةِ
سأتركُ قلبي وتراً في آلةِ طنبور
أو حجراً في بحيرةٍ من اللبلاب
وتصيرُ القصيدةُ ترفاً لا أقوى عليهِ
*
كبرتُ بقلبِ طفلٍ يطاردُ الفراشاتِ
حياتيَ حلمٌ معطوب
أوَّلهُ مراودُ كحلٍ
وآخرهُ شمسٌ من الحنَّاء
لكني أعاني من ضربةِ شمسٍ
وضربةِ سوطٍ لا مرئي
*
صعود التل
أصعدُ التلَّ منذُ ثلاثينَ عاماً
أحاولُ أن أتهجَّى الدروبَ التي تتشابهُ في الاستعارةِ والبعدِ والقربِ
بي رغبةٌ في الظهيرة أن أصعد التلَّ والمرتقى اللولبيَّ
وأن أتقاسمَ خبزَ السعادةِ مع كائنٍ آخرَ اليومِ
والألمَ الداخليَّ مع العابرينَ
وبي رغبةٌ أن تضيِّعني غابةٌ
راحَ يشعلها شجرُ الحورِ في امرأةٍ من مطرْ
أطلُّ على زمني من حياةٍ مضتْ
وأرى كلَّ ما لا يُرى
من طريقِ الحريرِ وضوءِ الينابيعِ
من حبقِ الماءِ أو رغوةِ الزبدِ المستعرْ
من أنينِ النوافيرِ أو من سُرى النحلِ في الليلِ
من ربوةِ الوردِ
من لسعةِ النهدِ
من عبقِ النردِ
أو من دخانِ الغيومِ الخفيضةِ أو ذكرياتِ القرى
لتسقطَ كلُّ القصائدِ في سلَّةِ المهملاتِ
ونكتشفَ الفرقَ بينَ الروبوتِ وبينَ بنفسجةِ الخصرِ
بينَ الكيبوردِ ونقرِ الفراشةِ فوقَ أصابعِ إحدى النساءِ
التي تترَّجلُّ من لوحةِ الماءِ أو تختفي في الضبابِ
لأني كبرتُ ولم أنتظرها
لأنَّ الأنوثةَ في جسمها أبطأتْ سيرها
ليتني لم أبدِّدْ حنيني لها
كهديلِ الحمامِ الذي سكبتهُ الصحارى
ليتها كانت امرأةً غيرها
*
غيم على طرف النافذة
هل القلبُ غيمٌ على طرفِ النهرِ والنافذةْ؟
أم صدى مطرٍ يتواصلُ فوقَ الوسادةِ طولَ نهارِ حزيرانَ؟
أم وترٌ في الكمنجةِ؟
كيفَ أخلِّصهُ من سرابِ الليالي
وممَّا تعدُّ لهُ وردةُ الليلِ في مخلب البوغنفيليا
وممَّا تكيدُ ذئابُ الظلالِ لغزلانهِ في ثيابِ الحبيباتِ؟
أحتاجُ إغفاءةً فوق عشبٍ يضيءُ ندى الصيفِ في الروحِ..
يحتاجُ أن يستريحَ المحاربُ من حلمهِ
من غبارِ البسوسِ وممَّا يوسِّعُ رؤياهُ..
ممَّا يضيَّقُ ليلَ العبارةِ أو فسحةَ السهدِ
يحتاجُ أن يستريحْ
من رياحِ قبيلتهِ واندلاعِ أساطيرها بالفحيحْ
*
إفراط
قل لي: عساكَ بحيرةٍ.. لأجسَّ نبضي
أو أحاولَ أن أطيرَ وأن أصيرَ عبيرَ أرضي
مفرطٌ أنا بالحساسيَّاتِ.. قلبي قبلةُ الأعمى وخاصرتي عويلُ الريحِ، أوغلُ في سرابِ الضوءِ.. أذهبُ في نهاياتِ الخريفِ، كمن يربِّي في مدى عينيهِ هاويتينِ.. واحدةٌ تراودهُ وأخرى للحنينِ المرِّ تفضي
ضجرُ الحياةِ يطلُّ مثلَ زنابقِ الدربِ المغطَّى بالنجيلِ وفي شقوقِ نوافذ الزمن الذليلِ أراهُ يمضي
أنا مفرطٌ في كلِّ شيءٍ..
في تأمُّلِ قطَّةٍ ضلَّتْ طريقَ البيتِ
في فرحي وحزني وانتظاري ما يهبُّ من النسيمِ الأنثويِّ على جحيمِ الصيفِ
في تفسيرِ معنى أن تضيءَ غريبةٌ جسدي
وفي حدسي وهمسي
مفرطٌ في كلِّ شيءٍ.. كلِّ شيءٍ.. كالشتاءِ أو الخريفِ
كطائرِ الفينيقِ.. كالغيمِ الخفيفِ
ومفرطٌ في الحبِّ أو في المشيِ تحتَ الزمهريرِ
وفي البكاءِ الداخليِّ
وفي النداءِ على نساءٍ متنَ من زمنٍ بعيدٍ أو على صمِّ الرياحِ
لم أنتظر أحداً سوى الشبحِ الذي في آخرِ المعنى
ولم أكتبْ مديحاً في دمِ الرؤيا
ولم أشددْ سوى ملحِ الحياةِ على جراحي
*