أسئلة الأعماق

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 32
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أديب كمال الدين

* القصيدة المعجزة

قالَ لي حرفي:

أنتَ الرّيحُ وأنا الشّراع.

قلتُ: الرّيحُ هي الرّيحُ لا شأنَ لي بها

لكنّكَ أنتَ الشّراع،

أحياناً تشيرُ إلى عذاباتِ قلبي

أو خيباتِ روحي

وأحياناً تعجزُ عن أن تشيرَ إلى أيّ شيء

حتّى إلى نَفْسِك.

حينئذ تولدُ القصيدة.

قالَ حرفي: أيّةُ قصيدةٍ هذه؟

قلتُ: ربّما هي القصيدة البكماء

أو ربّما هي القصيدة المُعجزة.

 

* أهذا لغزٌ أم حقيقةٌ أم أكذوبة؟

قالَ لي حرفي:

ما أصعب الأدوار التي مثّلتَها في مسرحيّتك؟

قلتُ: دور الجلّادِ وأنا الضَّحية

ودور الضَّحيةِ وأنا الجلّاد!

قالَ: أهذا لغزٌ أم حقيقةٌ أم أكذوبة؟

قلتُ: هو لغزٌ وحقيقةٌ وأكذوبة!

فاغرورقتْ عينا الحرفِ بالدهشة

مثلما اغرورقتْ عيناي بالمأساة

وهبطَ خيطٌ من الدمعِ ليختمَ المسرحيّة

من الألفِ إلى الياء.

 

* الهُنَا والهُنَاك

قالَ لي حرفي:

مثل طفلٍ بريءٍ سأسألُك:

ما الفرقُ بينَ الهُنَا والهُنَاك؟

قلتُ: مثل شيخٍ عذّبتهُ المنافي سأجيبُك:

هُنَاكَ ينفقُ القلبُ عمرَه حالماً بالهُنَا.

وهُنَا يجدُ القلبُ أنّ الحلمَ موجودٌ دونَ شكّ

لكنّهُ مِن دونِ حاء

ومِن دونِ لام

ومِن دونِ ميم!

 

* السّؤال الذي لم يقله أحد

قالَ لي حرفي: ما أعظم الأسئلة؟

قلتُ : السّؤال الذي لم يقلْهُ أحد.

قالَ: فهل عرفته؟

قلتُ: نعم،

لكنّني قبلَ أن أعلنهُ للناس

عشقتُ

ثُمَّ جننتُ

ثُمَّ احترقتُ

ثُمَّ  ذُرَّ رمادي في دجلة

من الصّباحِ حتّى المساء.

فنسيتُ كلَّ شيء،

نسيتُ حينَ رأيتُ رمادي

يكلّمُ الماءَ والسّمك.

 

* متى تتوقّفُ دمعتُك؟

قالَ لي حرفي:

متى تتوقّفُ دمعتُك؟

قلتُ: لا أدري.

فالدمعةُ رافقتني كما يرافقُ المرءُ ظلَّه

حتّى صرتُ أدمدمُ ليلَ نهار:

خلقَ اللهُ النّاسَ من الطّين

وخلقني من دمعٍ وحنين.

 

* قلب من نور

قالَ لي حرفي:

حينَ أُلقِي إبراهيم في النّار

فهل عرفَ لغتَها؟

قلتُ: لا.

قالَ: فكيفَ نجا؟

قلتُ: أنجاهُ الذي يقولُ للشيء كنْ فيكون.

قالَ حرفي: ربّما عرفَ الكاف

بعدَ أن خرجَ من اللهيبِ سليما؟

قلتُ: بل ربّما عرفَ النّون

إذ لم يعدْ مُحتاجاً للقمرِ ولا للشمس،

لم يعدْ مُحتاجاً للاطمئنان

بعدَ أن منحتهُ النّارُ قلباً من نور.

 

* دموع يعقوب

قالَ لي حرفي:

أنتَ تتحدّثُ عن يوسف

دونَ أن تذكرَ البئر

ولا السّيّارةَ ولا دَلْوهم،

بل أنتَ تتحدّثُ عن يوسف

دونَ أن تمنحَ البراءةَ للذئب

وللرؤيا التي أشعلتْ بشمسِها وقمرِها وكواكبها

نارَ الحسدِ في عيون إخوةِ يوسف

وجمرَ الحقدِ في قلوب إخوةِ يوسف!

قلتُ: نعم،

لقد اكتفيتُ بدموعِ يعقوب التي لا مثيلَ لها،

دموع يعقوب التي بلّلتْ

وجهي وقلبي وقصيدتي.

اكتفيتُ بها

حتّى صارتْ هي حياتي كلّها

من البدءِ إلى المُنتهى.

 

 

مقالات من نفس القسم