قصص قصيرة لـ ريمكو كامپرت

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
 ترجمة: ميادة خليل   بلا نظارة انكسرت نظارتي البارحة إلى نصفين. هذه هي نظارتي الخامسة التي انكسرت على مدى ست سنوات، لكنها تظل دائماً لحظة مزعجة جداً، تجعلني أستشيط غضباً لربع ساعة على الأقل في وجه القدر الأعمى الذي كسر النظارة.   

 لكن بعد ربع ساعة أبدأ التفكير في الأمر بطريقة أخرى. بلا نظارة يبدو العالم عالمًا مدهشًا يقدم مفاجآت جديدة دائمًا. الرجل الذي يحمل المظلة في الشارع وطلبت منه اشعال سيجارتك ما هو في الحقيقة إلا شجرة سمينة ومتينة. القمصان الفانيلية المنشورة على حبل الغسيل تراها مثل دببة قطبية تلعب بمرح في حديقتك الخلفية.

بلا نظارة تبدو كل الرسائل التي تصلك قد كتبت من قبل صينيين والصحيفة طبعت بالإغريقية القديمة. في المقاهي تدفع الحساب غافلاً ببطاقة القطار أو ورقة التقدير المبدئي الضريبي المثنية.

والفراشات والقطط والزهور في كل مكان. العالم يصبح شاعرياً للذين لا يرتدون النظارات، تُشذب الجوانب الحادة. أنا متيقن من أن غالبية الفلاسفة المرحين وشعراء قصائد الحب هم قصيرو النظر.

وفي بعض الزيجات لا تعرف الزوجة في الواقع كيف يبدو زوجها. هذا لا يهم: البقعة الغامضة في وجهه أصبحت مألوفة لها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حصان العم لوكس

اتضح أن حصان العم لوكس قد مات. لست متأكداً تماماً، لكن من أخبروني بهذا أعرفهم كونهم أهل للثقة. وصوت داخلي (نادراً ما يخدعني) قال لي أن هذه المرة قد مات بالفعل. هذه المرة .. لأن من لا يتذكر العام الماضي عندما انتشرت رسالة الشؤم نفسها، نثرت الرعب في كل مكان وعندما تبين في اليوم التالي إنها كانت مجرد إشاعة كاذبة، كذبة جبانة نشرها بائع أحصنة غيور. وفي النهاية وقع الرجل في شر عمله: هو يدير الآن تجارة خاسرة لحلويات العرق سوس في آيماودن.

غريب، لا يمكن تصور أن الأمر قد انتهى بالفعل مع حصان العم لوكس (أو لأقل من الأفضل عمي* لوكس كما يناديه أولئك الذين يعرفونه جيداً. أتذكر جيداً ذلك اليوم الذي قال لي فيه: “قل عمي!” لحظة رائعة! شعرت بالتقدير وسط الرجال الذين يعرفون كل شيء لأول مرة في حياتي. بعد ذلك مباشرة اشتريت غليوناً. وأجندة النجاح.

مات حصان عمي لوكس! فكرة لا تصدق. سوف يكون من الصعب تقبلها. حدث هذا البارحة؟ هذا مؤكد، رأيته البارحة يجري ويقفز بسعادة في المرج. حتى أنه كان يهز ذيله! وعمي لوكس يقف بالقرب وينظر مبتسماً. سوف يكون من الصعب عليه تحمل هذا. سوف يترك فراغاً كبيراً في حياته، كما في حياتنا جميعاً بكل تأكيد، لأن جزء من قلوبنا مرهون بحب حصان عمي لوكس.

متى تعرفت على حصان عمي لوكس للمرة الأولى؟

يجب أن يكون هذا منذ سنوات عديدة. كنت لا زلت ولداً صغيراً. قمت بنزهة بصحبة والدتي حول ضواحي خرونينن الجميلة وفجأة! هناك رأيته، مخلوق غاية في الروعة مع جلد لامع وعضلات قوية وعينان، تلكما العينان الناعمتان! بدأت بطرح الأسئلة على أمي بانفعال.

“أهدأ يا ولد” قالت أمي. “إنه حصان العم لوكس”.

“لكن لماذا هو جميل إلى هذا الحد، أمي؟”

“لا أعرف يا ولد. لا أحد يعرف. إنه أجمل حصان في العالم. حتى في أمريكا البعيدة كتبوا عنه، Uncle Look’s horse.

“لم أرَ في حياتي شيء بهذا الجمال، أمي”.

“وسوف لن ترى شيئاً بهذا الجمال، يا ولد. لكن تعال معي الآن. سوف نشرب كوباً من الشاي عند الڨيترمانيچز**”.

سمحت لأمي أن تجرني مكرهاً. كنت أريد أن أظل دائماً إلى جوار الحصان. أدركت فجأة ماذا يعني الجمال وكيف أن توديع الجمال، حتى لو رأيته لفترة قصيرة جداً، أمر محزن. على سبيل الاعتراض كسرت كوبي عند الڨيترمانيچز، لم أجبها عندما سألتني سؤالاً وضربت يوشه ڨيترمان في المدخل، هو أصغر مني بعام، ضربته بشكل خبيث على أذنيه.

منذ ذلك اليوم وأنا أقضي كل دقيقة أدخرها في جوار حصان عمي لوكس. ولم أكن الوحيد. كان هناك الكثير من الأولاد الذين كما لو أصابهم البرق بسبب جمال الحيوان النبيل. في بعض الأحيان نقف بالمئات نراقب الحصان ونتثاءب. أسسنا جمعية “أصدقاء حصان العم لوكس”. وكان لا يمكن لسعادتنا أن تنتهي عندما قَبِل عمي لوكس بكل لطف الرئاسة الفخرية.

كبرنا، حدثت تغييرات كبيرة في حياتنا، خسرنا الكثير من المثل العليا، لكن ما لم نخسره كان إعجابنا بحصان العم لوكس. أعطى لحياتنا معنى، أجرؤ على قول ذلك. إذا هددني اليأس بسبب أستاذي، كان هناك دائماً حصان عمي لوكس.

والآن هو ميت. لا أستطيع تصديق ذلك. لا أريد تصديق ذلك.

ملاحظة: الآن فقط تم التأكيد الخبر عبر الراديو. حصان العم لوكس مات بالفعل. أكدوه بشدة.   

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المظلة

“هَيي، يجب أن أذهب الآن، هل يمكنني أن أستعير مظلتك؟”

“لكنها لا تمطر”

“لا، لكن ربما تمطر”

“الطقس مشرق، ربما ترغب أيضاً في استعارة طاقية الجليد وجزمة القمر خاصتي؟”

“ماذا؟”

“جزمة القمر خاصتي. جزمة تستخدمها إذا صعدت فوق سطح القمر؟”

“أريد مظلتك فحسب في حال أمطرت. هل هذا غريب في أكتوبر؟”

“حسناً، خذها إذن. لكن لا تضيّعها! ومثلما أخذتها تعيدها!”

“سوف أعيدها لك غداً. سأكون في الجوار”

“لكن إذا أمطرت غداً؟”

“حسناً، لديك مظلتك من جديد”

“لكن عندها تريد استعارتها فوراً بالطبع”

“لا، لأن لدي واحدة. سوف أشتري مظلة ظهراً”

“لهذا تستعير مني مظلة لتشتري مظلة!”

“يمكنك أن ترى الأمر بهذه الطريقة، نعم”

“حسناً، لا أفضل أن أرى هذا. طقس جميل جاف رائق وهناك يمشي مجنون مع مظلتين. ربما ألتقيك في مكان ما وتلقي عليّ التحية وعندها سيظن الناس أني مجنون أيضاً”.

“يظن الناس، يظن الناس …”

“نعم، يظن الناس!”

“يظن الناس … ماذا يهمك بما يفكر به الناس. على أي حال أنا لا أخجل من مثل هذه الأشياء على الأطلاق. أنا كنت من أوائل الذين مشوا مع مظلة في هولندا. عندها كان لا يزال يُعد سلوكاً شاذاً. شيء يخص الأنواع اللينة والأيطاليين. مثل رجل يمشي خلف عربة أطفال. في ذلك الوقت كانوا يصيحون خلفك ويضايقونك أيضاً. لم تكن هذه مهمة الرجال، هكذا يرى الناس. كنت أمشي خلف عربة أطفال مع مظلة، سواء كان الطقس ممطراً أم لا. لم أكن أعرف بأنك أيضاً مثل أولئك الهولنديين الذين يخجلون من كل شيء. حتى وأنت آمن في منزلك يُقال عنك أيضاً الكثير من الثرثرة. لقد خيبت أملي بشكل فظيع”.

“حسناً حسناً، الآن جعلتك مجنوناً فعلياً. خذ هذا الشيء معك بحق السماء!”

“أوه لا، إذا كان الأمر كذلك …”

“أرجوك، من فضلك، لا تسيء الظن بهذا الشكل. خذها. لكن لا تضيّعها من فضلك وإلا سوف أشتري واحدة جديدة، وكل هذا مرهق جداً. بالإضافة لذلك هي مظلة جميلة .. انظر، هل ترى، إذا فتحتها …”

“انتبه قليلاً لعينيّ، ها …”

“آسف. لا تتركها في القطار أو المقهى أو شيء من هذا القبيل. واحذر من السجائر، بأن لا  تتضرر من ثقوب السجائر. أعرف كيف أنت مع السجائر”.

“وكيف أنا مع السجائر؟”

“انظر إلى بنطلونك. هنا، هناك ثقب فوق ركبتك واثنان إلى جانب بعضهما بالقرب من فتحة البنطلون”.

“هذه ليست ثقوب السجائر. إنها ثقوب العثة. يجب أن تفحص نظرك مرة أخرى، إذا لم ترى الفرق بين ثقوب السجائر وثقوب العثة فأنك …”

“لا مشكلة في عينيّ”

“أوه لا؟ إذن لماذا سكبت الحليب بجنب كوب القهوة؟”

“لأني أحب ذلك. أ لا تفعل أبداً ما تحب؟ يجب أن يسير كل شيء بدقة دائماً؟ الحليب في القهوة وليس بجنبها … من قال ذلك حقاً؟ من وضع هذه المثل العليا لنا ذات مرة ودائماً؟”

“لا، سوف لن تنقذ نفسك بهذه الطريقة. عندما جئت إلى هنا، كنت تجلس كما لو أنك تقرأ، لكنك تمسك الكتاب بالمقلوب”

“كنت على وشك البدء بتمارين اليوغا. الكتاب كان بالمقلوب، وأنا لم أكن بعد”

“تعال هنا بالقرب من النافذة. ما المكتوب على نافذة ذلك المحل؟”

“أي محل؟”

“أَمِل إلى الأمام”

“ليس هناك محل على الأطلاق”

“ماذا؟!”

“لا. لا يوجد محل. أنت مرتبك جداً. ترى أشياء غير موجودة”.

“حسناً، أنا مستسلم. تأخرت كثيراً. ستمطر في غضون ذلك. أظن أني سآخذ تاكسي. الآن، إلى اللقاء، ها. وشكراً للقهوة”

“لا شكر على واجب. إلى اللقاء. هَيي، نسيت مظلتي!”.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

*استخدم الكاتب “ome” بدل “oom” وكلاهما يعني عم، لكن الأولى تستخدم أكثر في اللهجة العامية لسكان شمال برابنت. استخدمت “العم” و”عمي” فقط للتفريق بين اللفظين كما فعل الكاتب.

**تصغير للقب العائلة ڨيترمان.

شاعر وكاتب هولندي ولد في لاهاي عام 1929. والده الشاعر الهولندي الشهير يان كامپرت ووالدته الممثلة يوكي بروديليت. ساهم في الحركة الأدبية المعروفة في هولندا وبلجيكا باسم “الخمسينيون”. نتاجه الأدبي غزير جداً ومتنوع ولغته شاعرية وفريدة وعميقة وفيها لمحات فلسفية وإسقاطات من حياته الشخصية حتى في كتابة المقالات. نال كامپرت العديد من الجوائز الأدبية وترجمت أعماله للغات عديدة. 

القصص  مختارة من مجموعته القصصية “إلى القُبل” الصادرة عام 2004.

ميّادة خليل مترجمة وروائية من العراق

 

 

مقالات من نفس القسم